خزانة الأدب - البغدادي - ج ٤ - الصفحة ٢١٥
ذلك عليه وعرفته فقالت: الوافر * كلانا مظهر للناس بغضا * وكل عند صاحبه مكين * * تبلغنا العيون بما رأينا * وفي القلبين ثم هوى دفين * ثم تمادى به الأمر حتى ذهب عقله وهام مع الوحش وصار لا يلبس ثوبا إلا خرقه ولا يعقل إلا أن تذكر له ليلى فإذا ذكرت عقل وأجاب عن كل ما يسأل عنه.
ثم إن قوم ليلى شكوا منه للسلطان فأهدر دمه وترحل قومها من تلك الناحية فأشرف فرأى ديارهم بلاقع فقصد منزلها وألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على التراب ويقول الأشعار. ثم إن أباه قيده فجعل يأكل لحم ذراعيه ويضرب نفسه ويعض لسانه وشفتيه فأطلقه.
وروي أن نوفل بن مساحق لما جاء ساعيا على صدقات بني عامر رأى المجنون يلعب بالتراب وهو عريان فقال لغلام له: خذ ثوبا وألقه عليه. فقالوا له: ألا تعرفه قال: لا. قالوا: هذا المجنون قيس بن الملوح كلمه فجعل يجيبه بغير ما يسأله عنه فقالوا له: إن أردت أن يكلمك كلاما صحيحا فاذكر له ليلى. فقال: أتحب ليلى فأقبل عليه يحدثه عنها وينشده شعره فيها فقال له: أتحب أن أزوجكما قال: وتفعل ذاك قال: نعم اخرج معي حتى أقدم بك على قومها فأخطبها لك.
فارتحل معه ودعا له بكسوة فلبسها وراح معه كأصح أصحابه فلما قرب من قومها تلقوه بالسلاح وقالوا: والله يا ابن مساحق لا يدخل المجنون لنا بيتا أو نقتل عن آخرنا وقد أهدر لنا السلطان دمه فأقبل بهم وأدبر فأبوا عليه فقال
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»