خزانة الأدب - البغدادي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٦
له في قريش خؤولة فأطلقه بعد سنة وأقسم أن لا يعطيه عطاء مع المسلمين أبدا.
فلما كان عام الجماعة وولي عبد الملك بن مروان وحج لقيه أبو صخر فقربه وأدناه وقال له: إنه لم يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لدي هواك ولا موالاتك. فقال: إذا شفى الله منه نفسي ورأيته قتيل سيفك وصريع أوليائك مصلوبا مهتوك الستر مفرق الجمع فما أبالي ما فاتني من الدنيا ثم استأذنه في مديح فأنشده قصيدة وأمر له عبد الملك بما فاته من العطاء ومثله من ماله وحمله وكساه. كذا في الأغاني.
وأنشد بعده:
* يقول وقد تر الوظيف وساقها * ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد * تقدم شرحه في الشاهد الرابع والثمانين بعد المائة.
وأنشد بعده وهو الشاهد السادس بعد المائنين وهو من شواهد سيبويه:
* أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة * وفي الحرب أشباه النساء العوارك * على أن أعيارا وأشباه النساء منصوبان على الحال عند السيرافي ومن تبعه وعلى المصدر عند سيبويه.
قال السهيلي في الروض الأنف: هذا البيت لهند بنت عتبة قالته لفل قريش حين رجعوا من بدر. يقال: عركت المرأة: إذا حاضت. ونصب أعيارا على الحال والعامل فيه مختزل لأنه أقام الأعيار مقام اسم مشتق فكأنه قال: في السلم بلداء جفاة مثل الأعيار. ونصب جفاء وغلظة نصب المصدر الموضوع موضع الحال كما تقول: زيد الأسد شدة أي: يماثله مماثلة شديدة فالشدة صفة للمماثلة كما أن المشافهة صفة للمكالمة إذا قلت: كلمته مشافهة فهذه حال من المصدر في الحقيقة. وتعلق حرف الجر من قولها أفي السلم بما أدته الأعيار من معنى الفعل فكأنها قالت: أفي السلم تتبلدون. وهذا الفعل المختزل الناصب للأعيار ولا يجوز إظهاره اه.
وزعم العيني أن قوله: جفاء منصوب على التعليل أي: لأجل الجفاء والغلظة. ولا يخفى سقوطه. والهمزة لللاستفهام التوبيخي. والسلم بكسر السين وفتحها: الصلح يذكر ويؤنث.
والأعيار: جمع عير بالفتح: الحمار أهليا كان أم وحشيا وهو مثل في البلادة والجهل. والجفار) قال في المصباح: وجفا الثوب يجفو: إذا غلظ فهو جاف ومنه جفاء البدو وهو غلظتهم وفظاظتهم. والغلظة بالكسر: الشدذة وضد اللين والسلاسة.
وروي أمثال بدل قوله أشباه. والعوارك: جمع عارك وهي الحائض من عركت المرأة تعرك كنصر ينصر عروكا أي: حاضت. وبختهم وقالت لهم: أتجفون الناس وتغلظون عليهم في السلم فإذا أقبلت الحرب لنتم وضعفتم كالنساء الحيض حرضت المشركين بهذا البيت على المسلمين. والفل بفتح الفاء: القوم المنهزمون.
وهند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية والدة معاوية بن أبي سفيان اخبارها قبل الإسلام مشهورة. وشهدت أحدا وفعلت ما فعلت بحمزة ثم كانت تؤلب وتحرض على المسلمين إلى أن جاء الله بالفتح فأسلم زوجها ثم أسلمت هي يوم الفتح.
كذا في الإصابة لابن حجر.
وأنشد بعده وهو الشاهد السابع بعد المائتين وهو من شواهد س:
* أنا ابن دارة مشهورا بها نسبي * وهل بدارة يا للناس من عار * على أن قوله مشهورا حال مؤكدة لمضمون الخبر. ومضمونه هنا الفخر وروي: أنا ابن دارة معروفا بها نسبي.
وقوله: نسبي نائب الفاعل لقوله مشهورا. والباء من بها متعلقة به للا نائب الفاعل كما وهم العيني. وهذه الحال سببية. وهل للاستفهام الانكاري. ومن زائدة وعار مبتدأ من رفعه حركة حرف الجر الزائد. وبدارة خبره. ويا للناس اعتراض بين المبتدأ والخبر. ويا للنداء لا للتنبيه ولناس منادى لا ان المنادى محذوف تقديره: قومي. واللام للاستغاثة وهي تدخل ودارة اسم أم الشاعر وهو سالم بن دارة قال ابن قتيبة: وهي من بني أسد وسميت بذلك لأنها شبهت بدارة القمر من جمالها.
وقال الحلواني في كتاب أسماء الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم: دارة لقب بأمه واسمها سيفاء كانت أخيذة أصابها زيد الخيل من بعض غطفان منبني أسد وهي حبلى فوهبها زيد الخيل لزهير بن أبي سلمى. فربما نسب سالم بن دارة إلى زيد الخيل اه.) وقال أبو رياش في شرح الحماسة والأصبهاني في الأغاني: دارة لقب جده واسمه يربع. وعلى هذا قد روي: أنا ابن دارة معروفا به نسبي وروي أيضا: معروفا له نسبي.
وهذا البيت من قصيدة طويلة لسالم بن دارة هجا بها زميل بن أبير أحد بني عبد الله بن مناف الفزاري منه:
* بلغ فزارة إني لن أسالمها * حتى ينيك زميل أم دينار * * لاتأمنن فزاريا خلوت به * بعد الذي امتل أير العير في النار * * وغن خلوت به في الأرض وحدكما * فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار * * أنا ابن دارة معروفا له نسبي * وهل بدارة يا للناس من عار * * جرثومة نبتت في العز واعتزلت * تبتغي الجراثيم من عرف وإنكار * * من جذم قيس وأخوالي بنو أسد * من أكرم الناس زندي فيهم واري * وأم دينار هي أم زميل. وقوله: بعد الذي امتل أير العيل الخ العير بالفتح: الحمار. وامتل أير العير أي: شوى أير الحمار في الملة وهي الرماد الحار. وبنو فزارو يرمون بأكل أير الحمار مشويا. وسيأتي إن شاء الله تعالى شرح هذا مستوفى في باب المثنى. والقلوص: الناقة الشابة.
واكتبها: من كتب الناقة يكتبها بضم التاء وكسرها: ختم حياءها أو خزمها بسير أو حلقة حديد لئلا ينزى عليها. والأسيار: جمع سير من الجلد. وعار الجواعر أي: بارز الأست والفقحة. والقسبار بضم القاف: الذكر الطويل العظم. وجرثومة الشيء بالضم: أصله.
وتبغي: من البغي يقال: بغى عليه بغيا: إذا علا عليه واستطال فأصله تبغي على الجراثيم.
والعرف بالضم: المعروف. والجذم بالكسر والفتح: الأصل. وورى الزند: كرمى: خرج ناره ويقال: ورت بك زنادي يقال: هذا في التمدح والافتخار. وتقدم سبب هجوه لبني فزارة وسبب هذه القصيدة مع ترجمته في الشاهد الخامس بعد المائة.
3 (باب التمييز)) أنشد فيه وهو الشاهد التاسع بعد المائتين وستوك قد كربت تكمل على أن العدد الذي في آخره النون يضاف إلى صاحبه أكثر من إضافته إلى المميز أي: قرب أن يكمل ستون سنة من عمرك.
وهذا المصراع من قصيدة للكميت بن زيد مدح بها عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية. وأولها:
* أ أبكاك بالعرف المنزل * وما أنت والطلل المحول * * وما أنت ويك ورسم الديار * وستوك قد كربت تكمل * قال الأصبهاني في الأغاني: كان بين بني أسد وبين طيئ حرب فاصطلحوا وبقي لطيئ دم رجلين فاحتمل ذلك رجل من بني أسد فمات قبل أن يوفيه. فاحتمله الكميت فأعانه فيه عبد الرحمن بن عنبسة فمدحه الكميت فأعانه فيه عبد الرحمن بن عنبسة فمدحه الكميت رأيت الغواني وحشا نفورا وأعانه زياد بن المغفل الأسدي فمدحه بقصيدته التي أولها: هل للشباب الذي قد فات من طلب ثم جلس الكميت وقد خرج العطاء. فأقبل الرجل يعطي الكميت المائتين والثلثمائة وأكثر وأقل كانت دية الأعرابي ألف بعير ودية الحضري عشرة آلاف درهم وكانت قيمة الجمل عشرة دراهم فأدى الكميت عشرين ألفا عن قيمة ألفي بعير اه فقوله: أأبكاك يخاطب نفسه ويقرره مستفهما. والعرف بضم العين والراء المهملتين: موضع.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 236 236 236 237 238 239 240 ... » »»