خزانة الأدب - البغدادي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٦
والثاني: أن يكون منصوبا بما تضمنته الجملة من معنى يصوت وإما مرفوعا صفة لفترة أي: نشاط مثل نشاط العصفور.. وهذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الوجه الثاني في إعراب كما) انتفض تجري على تقدير رواية رعدة وهزة. وروى الرماني عن السكري عن الأصمعي:
* إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها * كما انتفض العصفور بلله القطر * وهذا ظاهر. اه.
وانتفض بمعنى تحرك يقال: نفضت الثوب والشجر: إذا حركته ليسقط ما فيه. وبله يبله بلا: إذا نداه بالماء ونحوه. والقطر: المطر.
وفي شرح بديعية العميان لابن جابر: أن هذا البيت فيه من البديع صنعة الاحتباك وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ويحذف من الثاني ما أثبت نظيره في الأول فإن التقدير فيه. وإني لتعروني لذكراك هزة وانتفاضة كهزة العصفور وانتفاضته. فحذف من الأول وهذا البيت من قصيدة لأبي صخر الهذلي. أورد بعضها أبو تمام في باب النسيب من الحماسة وكذلك الأصبهاني بعضها في الأغاني ورواها تماما أبو علي القالي في أماليه عن ابن الأنباري وابن دريد. وهي هذه:
* لليلى بذات الجيش دار عرفتها * وأخرى بذات البين آياتها سطر * * كأنهما ملآن لم يتغيرا * وقد مر للدارين من عهدنا عصر * * وقفت بربعيها فعي جوابهافقلتوعيني دمعها سرب همر * ألا أيها الركب المخبون هل لكم * * فقالوا: طوينا ذاك ليلا وإن يكن * به بعض من تهوى فما شعر السفر * * أما والذي أبكى وأضحك والذي * أمات وأحيا والذي أمره الأمر * * لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها * بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر * * فما هو إلا أن أراها فجاءة * فأبهت لا عرف لدي ولا نكر * * وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها * كما قد تنسي لب شاربها الخمر * * وما تركت لي من شذى أهتدي به * ولا ضلع إلا وفي عظمها كسر * * وقد تركتني أغبط الوحش أن أرى * قرينين منها لم يفزعهما نفر * * مخافة أني قد علمت لئن بدا * لي الهجر منها ما على هجرها صبر * * وأني لا أدري إذا النفس أشرفت * على هجرها ما يبلغن بي الهجر * * أبى القلب إلا حبها عامرية * لها كنية عمر وليس لها عمرو) * (تكاد يدي تندى إذا ما لمستها * وينبت في أطرافها الورق الخضر * * وإني لتعروني لذكراك فترة * كما انتفض العصفور بلله القطر * * تمنيت من حبي علية أننا * على رمث في البحر ليس لنا وفر * * على دائم لا يعبر الفلك موجه * ومن دوننا الأعداء واللجج الخضر * * فنقضي هموم النفس في غير رقبة * ويغرق من نخشى نميمته البحر * * عجبت لسعي الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر * * فيا حب ليلى قد بلغت بي المدى * وزدت على ما ليس يبلغه الهجر * * ويا حبها زدني جوى كل ليلة * ويا سلوة الأيام موعدك النضر * * هجرتك حتى قيل: ما يعرف الهوى * وزرتك حتى قيل: ليس له صبر * * صدقت أنا الصب المصاب الذي به * تباريح حب خامر القلب أو سحر * * فيا حبذا الأحياء ما دمت حية * ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر * فقوله: ملآن أصله من الآن. وقوله: أما والذي أبكى وأضحك الخ هو من أبيات الكشاف ومغني اللبيب أنشده في أما. وقوله: فما هو إلا أن أراها فجاءة الخ هو من أبيات سيبويه ويأتي شرحه إن شاء الله عز وجل في نواصب الفعل. وقوله: وما تركت لي من شذى هو بفتح الشين والذال المعجمتين بمعنى الشدة وبقية القوة. والضلع بكسر الضاد وفتح اللام.
وقوله: تمنيت من حبي علية أناا على رمث هو بفتح الراء والميم وبالثاء المثلثة قال القالي: أعود يضم بعضها إلى بعض كالطوف يركب عليها في البحر. وقوله: ما أبرم السلم النضر يقال: أبرم السلم: إذا خرجت برمته وهي ثمرته. قال في الصحاح: البرم محركة: ثمر العضاه الواحدة برمة وبرمة كل العضاه صفراء إلا العرفط فإن برمته بيضاء وبرمة السلم أطيب البرم ريحا.
حكى الأصبهاني في الأغاني عن أبي إسحاق إبراهيم الموصلي قال: دخلت على الهادي فقال: غنني صوتا ولك حكمك فغنيته:
* وإني لتعزوني لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر * فقال: أحسنت والله وضرب بيده إلى حبيب دراعته فشق منها ذراعا ثم قال: زدني فغنيته:
* هجرتك حتى قيل: لا يعرف الهوى * وزرتك حتى قيل: ليس له صبر) * (فيا حبها زدني جوى كل ليلة * ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر * فقال: أحسنت وشق باقي دراعته من شدة الطرب ثم رفع رأسه إلي وقال: تمن واحتكم فقلت: أتمنى عين مروان بالمدينة. قال: فرأيته قد دارت عيناه في رأسه فخلتهما جمرتين ثم قال: يا ابن اللخناء أتريد أن تشهرني بهذا المجلس وتجعلني سمرا وحديثا يقول الناس أطربه فوهبه عين مروان. أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحة عقلك لألحقتك بمن غبر من أهلك. وأطرق إطراق الأفعوان فخلت ملك الموت بيني وبينه ينتظر أمره. ثم رفع رأسه وطلب إبراهيم بن ذكوان وقال: يا إبراهيم خذ بيد هذا الجاهل وأدخله بيت المال فإن أخذ جميع ما فيه فدعه وإياه قال: فدخلت وأخذت من بيت المال خمسين ألف دينار. و أبو صخر الهذلي هو عبد الله بن سالم السهمي الهذلي شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. كان متعصبا لبني مروان مواليا لهم وله في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز مدائح كثيرة. ولما ظهر عبد الله بن الزبير في الحجاز وغلب عليها بعد موت يزيد بن معاوية وتشاغل بنو أمية في الحرب بينهم في مرج راهط وغيره دخل عليه أبو صخر الهذلي في هذيل ليقبضوا عطاءهم وكان عارفا بهواه في بني أمية فمنعه عطاءه فقال: تمنعني حقا لي وأنا امرؤ مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثا ولا أخرجت من طاعة يدا قال: عليك ببني أمية اطلب منهم عطاءك قال: إذا أجدهم سبطة أكفهم سمحة أنفسهم بذلا لأموالهم وهابين لمجتديهم كريمة أعراقهم شريفة أصولهم زاكية فروعهم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائظ ولا أتباع ولا هم في قريش كفقعة القاع لهم السودد في الجاهلية والملك في الإسلام لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ولا حكم آباؤه في نقيرها وقطميرها ليس من أحلافها المطيبين ولا من ساداتها المطعمين ولا من هاشمها المنتخبين ولا عبد شمسها المسودين وكيف تقاس الأرؤس بالأذناب وأين النصل من الجفن وأين السنان من الزج والذنابى من القدامى وكيف يفضل الشحيح على الجواد والسوقة على الملوك والجائع بخلا على المطعم فضلا فغضب بن الزبير حتى ارتعدت فرائصه وعرق جبينه واهتز من قرنه إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال له: يا ابن البوالة على عقبيها يا جلف يا جاهل أما والله لولا الحرمات الثلاث: حرمة الإسلام وحرمة الشهر الحرام وحرمة الحرم لأخذت الذي فيه عيناك ثم أمر به إلى سجن عارم فحبس فيه مدة ثم استوهبته هذيل ومن)
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 236 236 236 237 238 239 ... » »»