خزانة الأدب - البغدادي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٦
أو طابخ قدير أو لا تقدير لكنه معطوف على صفيف وخفض على الجوار أو على توهم أن الصفيف مجرور بالإضافة وعند البغداديين هو معطوف على صفيف من قبيل العطف على المحل ولا يشترطون أن يكون المحل وقوله: ورحنا يكاد الطرف الخ يقول: إذا نظرت العين إلى هذا الفرس أطالت النظر إلى ما ينظر منه لحسنه فلا تكاد العين تستوفي النظر إلى جميعه. ويحتمل أن يكون معناه: أنه إذا نظرت إلى هذا الفرس لم تدم النظر إليه لئلا يصاب بالعين لحسنه.
وقوله: متى ما ترق الخ أي: متى نظرت إلى أعلاه نظرت إلى أسفله لكماله ليستتم النظر إلى جميع جسده. أصلهما تترق وتتسهل بتاءين وجزما على أن الأول فعل الشرط والثاني جوابه.
وما زائدة وروي: ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه والطرف بالكسر: الكريم الطرفين. وينفض رأسه من المرح والنشاط.
وقوله: فبات عليه سرجه في بات ضمير الكميت وجملة عليه سرجه خبر بات وبات الثاني معطوف على الأول وبعيني خبره أي: بحيث أراه وقائما حال وغير مرسل أي: غير مهمل.
ومعناه: أنه لما جيء به من الصيد لم يرفع عنه سرجه وهو عرق ولم يقلع لجامه فيعتلف على التعب فيؤذيه ذلك.
ويجوز أن يكون معنى فبات عليه سرجه الخ أنهم مسافرون كأنه أراد الغدو فكان معدا لذلك. والله أعلم.
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع بعد المائتين * وغن امرأ أسرى إليك ودونه * من الأرض موماة وبيداء سملق * لما تقدم قبله: فإن جملة قوله: ودونه من الأرض موماة من المبتدأ والخبر حال لا الظرف وحده كما بيناه. وصاحب الحال الفاعل المستتر في قوله أسرى العائد إلى امرئ. وأسرى: بمعنى سرى قال في الصحاح: وسريت سرى ومسرى وأسريت بمعنى: إذا سرت ليلا. وبالألف لغة أهل الحجاز وجاء القرآن بهما جميعا. والكاف من إليك مكسورة لأنه خطاب مع ناقته.
ودون هنا بمعنى أمام وقدام. والموماة بالفتح: الأرض التي لا ماء فيها وفي القاموس: الموماء والموماة: الفلاة والجمع الموامي. وأشار إلى أنها فوعلة: لأنه ذكرها في المعتل الآخر بالواو.
والبيداء: القفر فعلاء من باد يبيد: إذا هلك. والسملق: الأرض المستوية. وبيداء معطوف على موماة وسملق صفته. وجملة أسرى إليك صفة امرئ. وخبر إن المحقوقة في بيت بعده وهو:
* لمحقوقة أن تستجيبي لصوته * وأن تعلمي أن المعان موفق * وقد أنشد المحقق الشارح هذين البيتين في باب الضمير على أن الكوفيين استدلوا بهذا على أنه يجوز ترك التأكيد بالمنفصل في الصفة الجارية على غير من هي له عند امن اللبس والأصل لمحقوقة أنت. وهذه مسألة خلافية بين البصريين والكوفيين يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى في باب الضمير.
ومطلع هذه القصيدة:
* أرقت وما هذا السهاد المؤرق * وما بي من سقم وما بي معشق * قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: سمع كسرى أنوشروان يوما الأعشى يتغنى بهذا البيت فقال: ما يقول هذا العربي قالوا: يتغنى بالعربية. قال: فسروا قوله. قالوا: زعم أنه سهر من غيرمرض ولا عشق. قال: فهذا إذا لص.
وبعد هذا المطلع بأبيات في وصف الخمرة وهو من أبيات الكشاف والقاضي:
* تريك القذى من دونها وهي دونه * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق * وهذا وصف بديع في صفاء الخمرة. والتمطق: التذوق. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: أراد أنها من صفائها تريك القذاة عالية عليها والقذى في أسفلها فأخذه الأخطل فقال:
* ولقد تباكرني على لذاتها * صهباء عالية القذى خرطوم *) اه وسيأتي إن شاء الله عز وجل بعض هذه القصيدة في باب الضمير وبعضها في عوض من باب الظروف.
وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس بعد المائتين كما انتفض العصفور بلله القطر هذا عجز وصدره: وإني لتعروني لذكراك هزة على أن الأخفش والكوفيين استدلوا بهذا على أنه لم تجب قد مع الماضي المثبت الواقع حالا فإن جملة بلله القطر من الفعل والفاعل حال من العصفور وليس معها قد لا ظاهرة ولا مقدرة.
وهذه المسألة أيضا خلافية: ذهب الكوفيين إلى أن الماضي المثبت بدون قد يقع حالا بدليل قوله تعالى: أو جاؤكم حصرت صدورهم فحصرت حال بدليل قراءة الحسن البصري ويعقوب والمفضل عن عاصم: أو جاؤكم حصرة صدورهم وقول أبي صخر الهذلي: كما انتفض العصفور بلله القطر وقال البصريون: لا يجوز وقوعه حالا بدون قد لوجهين: أحدهما: انه لا يجوز يدل على الحال والثاني: أنه إنما يصلح أن يوضع موضع الحال ما يصلح أن يقال فيه الآن نحو: مررت بزيد يضرب وهذا لا يصلح في الماضي ولهذا لم يجز ما زال زيد قام لأن ما زال وليس يطلبان الحال وقام ماض ولا يلزم على كلامنا إذا كان مع الماضي قد لن قد تقرب الماضي من الحال.
وأما الآية والبيت فقد فيهما مقدرة وقال بعضهم: حصرت صفة لقوم المجرور في أول الآية وهو: إلا الذين يصلون إلى قوم وما بينهما اعتراض ويؤيده أنه قرئ بإسقاط أو. وعلى ذلك يكون جاؤكم صفة لقوم ويكون حصرت صفة ثانية. وقيل: صفة لموصوف لمحذوف أي: قوما حصرت صدورهم.
قال صاحب اللباب: وهذا مذهب سيبويه وهو ضعيف لأنه إذا قدر الموصوف يكون حالا موطئة وصفة الموطئة في حكم الحال في إيجاب تصدرها بقد وهو يمنع حذف قد لا سيما والموصوف محذوف فن الصفة تكون في صورة الحال فالإتيان بقد يكون أولى.) وقال المبرد: جملة حصرت إنشائية معناها الدعاء عليهم فهي مستأنفة. ورد بأن الدعاء عليهم بضيق قلوبهم عن قتال قومهم لا يتجه. وقيل: حصرت بدل اشتمال من جاؤكم لأن المجيء مشتمل على الحصر. وفيه بعد لأن الحصر من صفة الجائين لا من صفة المجيء.
وقد بسط ابن الأنباري الكلام على هذه المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف.
واستشهد ابن هشام بهذا البيت في شرح الألفية على أن المفعول له يجر باللام إذا فقد بعذ شروطه فإن قوله هنا لذكراك مفعول له جر باللام لأن فاعله غير فاعل الفعل المعلل. وهو قوله لتعروني فإن فاعله هزة وفاعل ذكراك المتكلم فإنه مصدر مضاف لمفعوله وفاعله محذوف أي: لذكري إياك.
والهزة بفتح الهاء: الحركة يقال: هززت الشيء: إذا حركته وأراد بها الرعدة. وروي بدلها رعدة.
وروى القالي في أماليه فترة. وسئل ابن الحاجب: هل تصح رواية القالي فأجاب: يستقيم ذلك على معنيين: أحدهما أن يكون معنى لتعروني لترعدني أي: تجعل عندي العرواء وهي الرعدة كقولهم: عري فلان: إذا أصابه ذلك لأن الفتور الذي هو السكون عن الإجلال والهيبة يحصل عنه الرعدة غالبا عادة فيصح نسبة الإرعاد إليه فيكون كما انتفض منصوبا انتصاب قولك: أخرجته كخروج زيد إما على معنى كإخراج زيد وإما لتضمنه معنى خرج غالبا فكأنه قيل خرج فصح لذلك مثل خروج زيد وحسن ذلك تنبيها على حصول المطاوع الذي هو المقصود في مثل ذلك فيكون أبلغ في الاقتصار على المطاوع إذ قد يحصل المطاوع دونه مثل أخرجته فلا يخرج.
والثاني: أن يكون معنى لتعروني لتأتيني وتأخذني فترة أي: سكون للسرور الحاصل من الذكرى وعبر بها عن النشاط لأنها تستلزمه غالبا تسمية للمسبب باسم السبب كأنه قال: ليأخذني نشاط كنشاط العصفور. فيكون كما انتفض إما منصوبا نصب له صوت صوت حمار وله وجهان: أحدهما: أن يكون التقدير يصوت صوت حمار وإن لم يجز إظهاره استغناء عنه بما تقدم.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 236 236 236 237 238 ... » »»