الفضائل والرذائل - المظاهري - الصفحة ٩٩
عما يسمى ب‍ " الفطرة ". الإنسان باحث عن الله ومفتش عن الله. وحتى أن دليل الفطرة يقول لنا شيئا أكثر من ذلك. فهو يقول بالإضافة إلى أن أعماق روح الإنسان باحثة عن الله ومفتشة عن الله هي باحثة عن التوحيد ومفتشة عن التوحيد، وقائلة أيضا بوجود فضائل وكمالات لله تعالى أي أن عمق روحه يدرك بأن الله عالم، وأن الله رحيم، وأن الله كريم وجواد، وأن الله قدير وسميع، وأخيرا فان عمق روح الإنسان تشعر بوجود شئ مستجمع لجميع الكمالات.
ومن هنا فعندما يقع الإنسان في طريق مسدود فإن كل همه وغمه يتوجه إلى مبدأ.
أي يقول بأن الله واحد وهو مستجمع لجميع الكمالات. ولهذا يطلب حاجته من الله، يتكلم مع الله. مما يدل على أنه اكتشف سميعا وهو عالم وقادر ورؤوف، وهو رب حقا.
يقول أحد السادة: كان لي صديق لا يعترف بوجود الله سبحانه. لي معه مناقشات وحوار طويل ولم أستطع أن أصل معه إلى نتيجة. وكان له ولد وحيد وقد أدخل المستشفى لإجراء عملية جراحية له. وكان صديقي هذا طبيبا أيضا، فجلس خلف باب غرفة العمليات وأجهش بالبكاء وهو يقول: يا إلهي إني أريد ولدي منك! فاغتنمت الفرصة وقلت له: من إلهك هذا الذي تريد ولدك منه؟ فقال: ليس هذا محل جدال.
يقول القرآن:
(فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) (2).
إن اللجاج والغرور العلمي أثناء الجدال لا يسمح للفطرة أن تستيقظ. ولكن عندما يقع في طريق مسدود فإنه حينئذ ينسى كل شئ آخر، ولا يستطيع العلم والغرور العلمي أن يصنع له حينئذ شيئا، ولا تستطيع القدرة والتمكن أن تعمل له حينئذ شيئا، ولا تستطيع اللجاجة الآنية والعصبية أن تصنع له حينئذ شيئا، تستيقظ الفطرة فجأة. يرى أن شيئا ما يستطيع أن يفعل له شيئا، وذلك الشئ هو الله.
تستيقظ الفطرة. وبشكل لا إرادي تجري دموعه وبشكل لا إرادي ينطق لسانه عاليا بقول يا رب يا رب وقد جاء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي من أجل ذلك، أي من أجل أن يحافظوا على يقظة الفطرة، من أجل
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»