ان كان نبيا ان يدعو الله على من خالفه وأخرجه من بلده إلى غيرها ان يسلط عليهم ويهلكهم؟ فقال حاطب: ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى؟ قال: أحسنت أنت حكيم من عند حكيم، ثم قال له حاطب: انه كان قبلك من يزعم انه الرب الأعلى - يعني به فرعون موسى - فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك، ان هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد (ص)، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائكم أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوما فهم أمته فألحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح بل نأمرك به، فقال المقوقس: إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبأ والإخبار بالنجوى - أي انه يخرج الخبأ وهو المستور ويخبر بالنجوى أي يخبر بالأمور الغيبية التي يستمدها عن الله تعالى.
ثم أخذ المقوقس الكتاب وجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته وكتب إلى النبي (ص) كتابا جواب كتابه يقول فيه: