لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر الحديث: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".
بما أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه).
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " وقد تركت فيكم لن تضلوا إن اعتصمتم به:
كتاب الله وأنتم تسألون عنه فما أنتم قائلون قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس، اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات " (1).
فهذا الحديث كما ترونه صريح في أن الذي تركه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم هو كتاب الله وليس فيه ذكر سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو كان حديث سنتي صحيحا لأخرجه الإمام مسلم في صحيحه كما أخرج الحديث المشتمل على كلمة " عترتي " ومن حيث إنه أخرج هذا، وترك ذاك، مع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام بيان ما يجب التمسك به بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) لئلا يضلوا بعده. علمنا أن حديث " سنتي " كذب وانتحال لا أصل له. وأقول للدكتور البوطي: لما كان الحديثان حديث " عترتي " وحديث " كتاب الله " مرويان في أصح الكتب بعد كتاب الله عند أهل السنة بإجماعهم كان العمل بهما جميعا واجبا لا محيص عنه، لا سيما إذا علمتم أن ثبوت الشئ لا ينفي غيره، وأن التوسعة في دائرة موضوع الحكم شئ يعرفه العلماء، ولم يفت ذلك على الإمام مسلم لذا ترونه أخرجه في صحيحه، ولم يخرج حديث " سنتي " لبطلانه كما قدمنا، وحينئذ يكون الجمع بينهما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك فيهم كتاب الله وعترته معا.
ولو كان التمسك بهما وحدهما يغني المسلمين عن التمسك بعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حكم (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأولين منهم والآخرين بوجوب التمسك بهم، وبالكتاب، لئلا يقعوا في الضلال المبين، لما وقع أكثر المسلمين في الضلال الواضح. وأضح دليل على ذلك ما وقع فيه الأئمة الأربعة من الاختلاف في حكم الكتاب والسنة في الواقعة الواحدة مع أن حكم الكتاب والسنة في الواقعة الواحدة لا يتغير ولا يتبدل، فأحد المختلفين لا شك في ضلال وخطأ لقوله تعالى: (فما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) (2) وقد نهى