أخاه أن يتبع سبيلهم فيشوشوا عليه الأمر، ويكيدوا ويمكروا به، فيتفرق جمع بني إسرائيل ويتشتت شملهم، بعد تلك المحن التي كابدها هارون في إحياء كلمة الاتحاد بينهم.
وبالجملة، كان هارون وزيرا لموسى عليهما السلام، وكان يساعده في تبليغ الدين أو شئ من أجزائه، وكان يخلف موسى عليه السلام في غيبته، ويحافظ على سبيل موسى عليه السلام من الذين يتربصون به، ليكون السبيل حجة على بني إسرائيل وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، ويكون شاهدا على المفسدين على امتداد المسيرة كي يتبين الباحث عن الحقيقة خطاهم، وسبيل الأنبياء، فقد ذرأ الله ذرية آدم، لا يضره من خالفه أو من خذله أو من عاداه.
أما في ما يتعلق بأبناء هارون عليه السلام، فلقد ذكرت التوراة الحاضرة، أن الله - تعالى - اصطفى أبناء هارون من بعده ليفسروا الشريعة لبني إسرائيل، وعلى امتداد المسيرة الإسرائيلية بعث منهم الأنبياء والربانيون، وآخر الأنبياء الذين بعثوا من ذرية هارون، كان المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ولقد قلب بنو إسرائيل الأمر على أنبيائهم، وقتلوا بعضهم، وكذبوا البعض الآخر، وعندما جاؤوهم بما لا تهوى أنفسهم.
والدعوة الإلهية الخاتمة - على نبيها الصلاة والسلام - امتد ظلها من حيث انتهت ظلال أنبياء بني إسرائيل، بمعنى: في بداية الدعوة جعل الله قياس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى موسى عليه السلام، وجعل قياس أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى فرعون وقومه، قال تعالى: (إنا أرسلنا إليكم شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) [المزمل: 15 - 16]، فبتدبر الآية، نجد أن دائرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقابلها دائرة موسى عليه السلام، ودائرة الأمة يقابلها دائرة فرعون، والقرآن عبر عن موسى بالرسول، وفي هذا إشارة إلى أن السبب الموجب لأخذ فرعون مخالفته أمر رسالة موسى لا موسى نفسه بما أنه موسى، وإذا كان السبب هو مخالفة الرسالة، فيقابله تحذير الأمة من مخالفة رسالة محمد، لأن المخالفة تؤدي