ويبدو من هذا الموقف المتشدد الذي يحاول الفقهاء والمحدثون نسبته إلى الرسول. أنه نابع من رد فعل لواقع وسلوكيات محددة ارتبطت بالعصر الأموي والعباسي وليس نابعا من نص صريح محدد من القرآن. إذ أن محاولتهم تفسير قوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله..) على أن المقصود به هو الغناء. محاولة استنتاجية وليست قطعية يشوبها قصر نظر فالنص يتحدث عن الناس وليس عن المؤمنين. ولفظ الناس يرتبط دائما بالنصوص المكية مثلما يرتبط لفظ (المؤمنون) بالنصوص المدنية. والفترة المكية فترة صراع عقائدي وليست فترة تشريع مما يمكن على ضوئه الحكم - باعتبار أن النص مكي والسورة مكية - أن هذا النص لا صلة له بالغناء بدليل ربطه اللهو بالضلال عن سبيل الله وهذه إشارة إلى المفاصلة بين سبيل الله وسبيل الطاغوت والكفر والضلال. وكون اللهو المقصود به هنا هو شئ آخر يرتبط بالكفر والضلال عن سبيل الله والغناء بإجماع الفقهاء ليس هكذا إن صح تجريمه فهو صورة من صور الفسق التي لا تخرج عن دائرة الإيمان..
من هنا يمكن القول إن تحريم الغناء ليس إلا صورة من صور عبادة الرجال لكونه تحريم منسوب للرجال وليس للنصوص..
وهناك بالإضافة إلى ما ذكرنا عدة صور أخرى من المحرمات المنسوبة للرسول بعضها يشم منه رائحة السياسة. وبعضها يتعلق بعادات وسلوكيات سائدة.
والبعض الآخر منها يتعلق بظروف الواقع..
أما لتحريم الذي يتعلق بالسياسة فهو تحريم سب الصحابة..
يروى عن الرسول (ص) قوله: " لا تسبوا أصحابي. فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " (1)..
قال الفقهاء: اختلف في ساب الصحابي. قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يعزر وعن بعض المالكية يقتل. وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين - أبو بكر وعمر -