عمل النبي صلى الله عليه وآله، فأخذ ينفرد بأصحاب الرسول ويقول لهم: (إن محمدا وعدنا أن ندخل الكعبة)، محاولا استقطابهم ضد الرسول، لعله ينجح بإلغاء الصلح، وتركت حملته آثارا مدمرة، وهزت الثقة برسول الله إلى حين، إلا أنه أخفق بتكوين قوة من الصحابة قادرة على إجهاض الصلح، وقد اعترف هو عندما أصبح خليفة بكل ذلك فقال:
" ارتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ، ولو وجدت شيعة تخرج عنهم رغبه عن القضية لخرجت " (74).
ولم يتوقف عمر عن حملته التشكيكية إلا بعد أن أقبل عليه الرسول قائلا:
" أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم " (75)، فكأن الرسول الأعظم يعيد بهذا التذكير الحجم الحقيقي لعمر، ويقول له: إنك تدعو للحرب مع أنك فررت من المعركة وتركتني.
ثانيا - مزايدته بعد صلح الحديبية، حين جاء أبو جندل بن سهيل فارا من المشركين إلى المسلمين بعد توقيع معاهدة الصلح، وعملا بالاتفاق كان يجب على النبي إعادته إلى قريش، فاحتج عمر بأنه لا ينبغي إعادته، فقال الرسول لأبي جندل: اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا، وإنا لا نغدر "، فاقتنع أبو جندل (76)، وبعد أن أغلقت دائرة البحث في هذا الموضوع، اختص عمر بأبي جندل وقال له: " أبوك رجل وأنت رجل ومعك السيف، فاقتل أباك "، وكان غرض عمر أن ينقض أبو جندل على أبيه سهيل ويقتله وهو في حضرة الرسول وجواره، وهو سفير البطون، ولكي يضفي عمر على التحريض طابعا دينيا قال لأبي جندل: " إن الرجل يقتل أباه في الله "، ولكن أبا جندل فطن لأسلوب عمر في المزايدة، فقال له: " ما لك لا تقتله أنت يا عمر؟ "،