للعباس فور انتهاء عمر من كلامه: " عدلت عنا "، فقال له العباس: وما علمك؟
فقال علي: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلا، ورجلان رجلا، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، و عبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون، فيوليها عثمان، أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني، بله أني لا أرجو إلا أحدهما " (12).
ويلاحظ أن عبد الرحمن بن عوف إمعانا منه في التمويه بدأ بالإمام علي وعرض عليه الخلافة ولكن بعد أن وضع شرطا يقطع مسبقا بأن الإمام سيرفضه، وهو العمل بسيرة أبي بكر وعمر إلى جانب العمل بالكتاب والسنة، وقد حصل ما توقعه من رفض الإمام لهذا الشرط، فثنى بعرض الأمر على عثمان الذي رضي بذلك الشرط، فصار خليفة على المسلمين (13).
ثم إن الصلاحيات التي أعطيت لعبد الرحمن بن عوف تدل على أنه سيفعل ما فعل، لذلك قال علي لعبد الرحمن بعد أن ولى الخلافة لعثمان: " حبوته محاباة، ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، أما والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر عليك " (14).
وعندما أخذ الناس يبايعون عثمان، وتلكأ علي، أرادوها فرصة للقضاء عليه، إذ قال عبد الرحمن: " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه "، فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة " (15).
أما بالنسبة للإجراء الثاني، فإنه كان إجراء احتياطيا، إذ ربما استطاع علي أن ينتصر على منافسيه الخمسة، أو ينتصر أبناؤه على أبنائهم، ولكنهم لن يستطيعوا الانتصار على الجناح الأموي المستحكم في الشام، المالك للقوة والمال والنفوذ،