خلاصة المواجهة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٢٨
من يطعمه، تلك هي سنة أبي بكر وعمر! وهذا هو عدلهم ومودتهم للقربى، وهذا هو برهم ووفاؤهم لمحمد بن عبد الله!
ويبدو أن أبا بكر قد تنبه في لحظة من لحظات استيقاظ الضمير إلى شناعة ما ارتكبه بحق آل محمد، فاعتراه الندم، ولكن بعد فوات الأوان.
لقد تذكر فاطمة تنادي بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة: (68)، واستعاد ما قالته فاطمة شخصيا له ولعمر بن الخطاب وجها لوجه: " أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول:
رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني: ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا:
نعم، سمعناه من رسول الله، فقالت الزهراء: فإني أشهد الله أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه... أنتحب أبو بكر حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها (69).
واستحضر تهديد عمر بن الخطاب لعلي بالقتل، وكيف التحق علي بقبر النبي يبكي ويصيح: " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " (70).
تذكر أبو بكر كل ذلك وندم، وأدرك أنه أول ضحايا هذا النظام الجديد الذي أقامه عمر، وخرج إلى الناس قائلا: " يبيت كل واحد منكم معانقا حليلته، مسرورا في أهله، وتركتموني وما أنا فيه، أقيلوني بيعتي " (71).
ربما كان الرجل صادقا بالفعل، ولكنه كان قد قطع على نفسه خط الرجعة، ولم يسمح له قادة الانقلاب وبالذات عمر بالإفلات، كان لا بد له من البقاء ومواصلة الشوط، فهذه مرحلة انتقالية يجب أن يحل وزرها وهو مشرف على الموت، وبموته يرثون دولة مستقرة.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»