والأسلوب الثاني - التعاون مع كل العناصر التي تكره آل محمد، فمدت بطون قريش يدها إلى فريقين:
أولهما - المنافقون الذين كانوا حقيقة من حقائق المجتمع في المدينة المنورة وما حولها، والذين شكلوا أعظم المشكلات التي واجهت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقد أعلن المنافقون أنهم مع دولة البطون، وأنه ليس من العدل أن يكون النبي من بني هاشم، وأن يكون الخليفة منهم أيضا.
والفريق الثاني - طلاب المكاسب الدنيوية، يقول المؤرخون في وصف أحداث يوم السقيفة: " وقد أقبلت قبيلة أسلم بجماعتها حتى تضايق بهم السكك، فكان عمر بن الخطاب يقول: ما هو أن رأيت أسلم حتى أيقنت بالنصر " (1).
فمن الذي أخبر عمر أن أسلم ستقف معه إن لم يكن هناك اتفاق سابق بين قيادة التحالف وقبيلة أسلم؟ ومن الذي أخبر أسلم بانعقاد الاجتماع ودعاها لتحضر وتبايع وتحقق لعمر ما أسماه نصرا؟
ولقد استفادت بطون قريش من الخصومة القديمة بين قبيلتي الأوس والخزرج، واتخاذ كل منهما موقفا مناقضا لموقف الأخرى، فحينما قدم الخزرج سعد بن عبادة لكبر سنه وشرفه، نهض بشير بن سعد في اللحظة الحاسمة وقال:
" إن محمدا رسول الله رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولى سلطانه " (2).
وفي نفس اليوم الذي بويع فيه أبو بكر ذهبت سرية فيها أسيد بن حضير سيد الأوس - أو هكذا أظهر - لاستحضار علي للبيعة، وحرق بيت فاطمة بنت رسول الله على من فيه، ولا يعقل أن يكون هذا وليد لحظته، بل هو ثمرة اتفاق وتدبير سابق، وصدق رسول الله حينما قال لعلي يوما: " ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعدي " (3).