لقد رفض علي (ع) بيعة أبي بكر وعمر وعثمان. ولو كان يعرف أن ذلك الحديث منصرف فهمه إلى ذلك، لما خالفه " ولما كان عمر اعتبر خلافة أبي بكر فلتة توجب القتل.
إن هذه القرائن جميعها تدل بما لا يدع مجالا للشك، بأن المروجين لهذه الادعاءات كانوا على اتصال باللعبة السياسية للخلفاء. وجاءوا بعد انتهاء العهد الراشدي بكثير.
وعليه فإن مدعى العامة في ذلك مردود لكون المغزى من ذلك مشروط بخير الأمة وعدم تصارعها وعدم تضارب سنتهم لما كان البناء العقلائي يستبعد تضارب سنة الراشدين. ولأن هذه الخلافة كما تقدم متعلقة بأهل البيت، وأنها اثنا عشر.
وبعد أن تبيين لنا الاضطراب الشديد الذي لف ما ادعوه من أن الراشدية تنطبق على الأربعة. وبأن ذلك تعسف ثقيل على مغزى الحديث ومدعى أضيق من معناه. يجدر بنا التعرف على المغزى الحقيقي له بما ينطبق مع واقع الخلافة.
في البدء، لا بد من الاتفاق على أن الخلافة أمر خاضع للجعل الشرعي.
وخارج عن نطاق الاختيار. وعلى هذا الأساس، فإن الخلافة تبقى خارج نطاق العصبية والغلبة. وإلا أصبح معيار الإمامة هو الغلبة والعصبية. كما فهمها الكثير من السلف.
وهو حال ابن عمر. فقد روى عنه " أنه كان في زمن الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله " (20).
وذكر صاحب الطبقات أيضا عن سيف المازني " كان ابن عمر يقول: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب " (21).
إن الخلافة كالإمامة شأن ديني، نابع من صميم الفرد وإمكانياته الذاتية، سواء أمارس الخلافة وتحققت له الغلبة أم لا. إنها شأن يقاس بالنبوة في معنى الاختصاص، من حيث أن النبوة ما دامت إنها اختيار مولوي لا شأن للبشر فيه،