فهل بعد هذا يصح أن يشتهر الخليفة الأول بالصدق وينفرد به، وهو لم يصدق رسول الله (ص) في شأن رجل صار فيما بعد رأس الفتنة يوم النهروان كما جاء في صحيح مسلم وغيره.
التقوى والورع.
يظهر من خلال كلام المؤرخين وأهل السير المحرفة، أن أبا بكر كان أتقى صحابة الرسول (ص) وأورعهم. وأعبدهم لله وأخشاهم له، وبالغوا في ذلك أيما مبالغة واختلقوا من الروايات المتداعية والأسانيد، ما يقطع أوصال الفؤاد.
وطبيعي، أن أهم صفة للورع والتقوى هي تقديس ما قدسه الله، وتحريم ما حرمه والاحتياط الكبير وكثرة التهجد والعبادة.
فأما من جهة العبادة، فإن أبا بكر لم يرد عنه أنه كان آية في ذلك.
وعندما راح عمر بن الخطاب ليسأل عن سلوك أبي بكر في بيته، إمعانا منه في التأسي برفيقه الذي أتحفه بأعلى منصب، ليسوس فيه الناس بدرته.
فقالت له إحدى بناته: " ما رأينا له كثير صلاة بالليل ولا قيام (6) ".
ولهذا حاولوا أن يجدوا له بديلا عن القيام والصلاة، وهو ما ذهب إليه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن بكر بن عبد الله المزني، أنه قال: لم يفضل أبو بكر (رض) الناس بكثرة صوم ولا صلاة إنما فضلهم بشئ كان في قلبه.
وإذا أردنا الإطناب في البحث عن هذا الشئ الذي يوجد في قلب أبي بكر ولم يوجد في القلوب الأخرى التي يفضلها لوجدنا ما يضحك الثكلى ذلك ما يرويه لنا المحب الطبري في الرياض النضرة (7) من أن عمر بن الخطاب أتى إلى زوجة أبي بكر بعد موته فسألها عن أعمال أبي بكر في بيته فقالت: إلا أنه كان في كل ليلة جمعة يتوضأ ويصلي ثم يجلس مستقبل القبلة رأسه على ركبته فإذا كان وقت السحر رفع رأسه وتنفس الصعداء فيشم في البيت روائح كبد مشوي فبكى عمر وقال: أتى