والآن إليك ما جاء في التاريخ من أحداث واكبت أخذ البيعة ليزيد ونترك للقارئ حرية النظر فيها ليرى إلى أي مدى كان ادعاء ابن خلدون لإجماع الصحابة وسكوتهم وتحري معاوية للمصلحة العامة، مجرد ادعاء باطل.
روى ابن الأثير، إن معاوية كتب إلى مروان في بيعة يزيد، فقام مروان خطيبا فقال:
إن أمير المؤمنين قد اختار لكم، فلم يسأل، وقد استخلف ابنه يزيد بعده، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: كذبت والله يا مروان! وكذب معاوية ما الخيار أردتما لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه، " والذي قال لوالديه أف لكما "، فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب، فقامت من وراء الحجاب، وقالت: يا مروان! يا مروان! فأنصت الناس، وأقبل مروان بوجهه، فقالت:
أنت القائل لعبد الرحمن أنه نزل فيه القرآن، كذبت والله ما هو به، ولكنه فلان بن فلان، ولكنك فضض من لعنة الله.
وذكر أبو هلال العسكري (121) أنه لما قالت عائشة ذلك كتب مروان إلى معاوية بذلك، فأقبل، فلما دنى من المدينة استقبله أهلها، فيهم عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير، والحسين بن علي، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما رآهم سبهم واحدا واحدا، ودخل المدينة، وخرج هؤلاء الرهط معتمرين، ثم خرج معاوية حاجا، فاستقبلوه ثم قال: ألا تعلمون أني كنت قد عودتكم من نفسي عادة أكره أن أمنعكم إياها حف أبين لكم؟ إني كنت أتكلم بالكلام فتعرضون فيه، وتردون علي، وإياكم أن تعودوا، وإني قائم فقائل مقالا لا يعارضني فيه أحد منكم إلا ضربت عنقه. ثم وكل بكل واحد منهم رجلين وقام خطيبا فقال:
إن عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر قد بايعوا، فبايعوا، فابتدر الناس يبايعون حتى إذا فرغ ركب نجائبه، ومضى إلى الشام، وأقبل الناس على هؤلاء يلومونهم، فقالوا: والله فما بايعناك ولكن فعل