قاموس الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٥٣
وعندما كانت أورشليم محاصرة تدارست السلطات اليهودية نبوات إرميا الخاصة بتقدم الكلدانيين وسبي يهوذا الذي يعقب ذلك، ونظروا في هذه النبوات من الناحيتين السياسية والحربية بدلا من أن ينظروا فيها من الناحية الدينية وعلى الصعيد الروحي. وادعوا عليه أن نبواته ضد يهوذا وأورشليم ثبطت همم المدافعين عن المدينة.
ولما رفع الكلدانيون الحصار إلى حين، وأوشك إرميا أن ينتهز هذه الفرصة الذهاب إلى عناثوث لبعض شانه، اتهم بأنه فار ليذهب إلى الكلدانيين، والقي في الجب (ص 37: 1 - 15) وبعد أيام كثيرة أطلقه الملك صدقيا من حبسه وأخذه وسأله سرا عن كلمة الرب بشأنه فأخبره إرميا بأنه يدفع إلى ملك بابل. وأمر صدقيا أن يضعوا إرميا في دار السجن وأن يحسنوا معاملته بعض الشئ ولكن الرؤساء أخذوه ورموه في الجب ليموت جوعا (ص 37: 16 - 21 و 38: 1 - 6) فأشفق عليه خصي حبشي واستأذن الملك في أن يرفع إرميا من وحل الجب فأذن له ورفعه وأخذه ووضعه في دار السجن. وكان هناك إلى أن أخذت أورشليم (ص 38: 7 - 28) وقد علم الكلدانيون بما عاناه، واعتقدوا أنه قاسى كثيرا من أجلهم لذلك فقد أصدر نبوخذنصر أوامر صريحة بأن يحسنوا معاملة إرميا ووفقا لذلك أرسل نبوزردان الكلداني رئيس الشرطة إلى دار السجن وأخذوه وأحضروه إليه مع غيره من الأسرى إلى الرامة فأطلق سراحه ومنحه حق الاختيار في أن يذهب إلى بابل أو يبقى في وطنه فآثر أن يبقى في وطنه وأعطاه رئيس الشرطة زادا وهدية وأطلقه فأتى إلى جدليا بن أخيقام إلى المصفاة وأقام عنده في وسط الشعب الباقين في الأرض (ص 39: 11 - 14، 40: 1 - 6) ولما قتل جدليا حث إرميا الشعب أن لا يهربوا إلى مصر ولكن عبثا حاول أن يثنيهم عن عزمهم، ولم يذهبوا إلى مصر فحسب بل أرغموا إرميا على مرافقتهم في رحلتهم (ص 41: 1 و 43: 7) وقد نطق بنبواته الأخيرة في تحفنحيس في مصر (ص 43: 8 - ص 44: 30) ولا يعرف شئ عن موته ولا كيف كان ولا متى حدث ذلك.
نبوات إرميا: تتجلى حياة إرميا الروحية في سفره بوضوح. ولقد كانت رسالته رسالة قضاة على شعبه ولذا فقد جلبت على رأسه مقت مواطنيه وبغضهم.
واضطره ثقل حملها أن يتوجع بمرارة من أنه ولد (ص 15: 1، 20: 14 - 18) ولكنه بقي أمينا لرسالته وللمهمة التي ألقيت على عاتقه. لقد كان رجلا وحيدا، أسئ فهمه وافتري عليه واضطهد وكان مصير الجهود التي بذلها لأجل مواطنيه الفشل، وكثيرا ما قاسى عذاب السجن ولم يكن له عزاء سوى في الله وحده. لقد اضطرته ظروف حياته أن يلقي نفسه على الله، لذا فأمكنه أن يقدر عن بصيرة ومقدرة الشعور بالمسؤولية لله (ص 17: 9، 31: 29 و 30) ولذا فإننا نجد في سفر إرميا قوة الشعور بمسؤولية الفرد لله وحقيقة الشركة والاتصال بين النفس البشرية والله.
والديانة بحسب مناداة إرميا هي ديانة القلب والحياة. لقد دعي للاضطلاع بعمله النبوي لخمس سنوات قبل اكتشاف سفر الشريعة في الهيكل أثناء إجراء بعض الإصلاحات في البناء. وكان لكلمات السفر أثر قوي في قلب الملك يوشيا. فقام بحرب شعواء على العبادة الوثنية وأجرى إصلاحات دينية كثيرة. فسرت في الشعب نهضة مباركة وعاد إلى عبادة الرب. وكان إرميا في تلك الأثناء يقوم بعمله النبوي على خير وجه فكان يحث الشعب على الطاعة مذكرا إياه بالعهد الذي عمله الرب معه وبأن الشر الذي أصاب الشعب لم يأت جزافا بل حل بالشعب نتيجة عصيانه. وأبان لهم أن الطاعة هي أولى مطالب هذا العهد (إرميا 11: 1 - 8) ولقد حذر إرميا قومه من أن يقتصر الإصلاح على الأمور الخارجية، بل ينبغي
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»