الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٧٥
كلها، ولكنه ليس أبا على طريقة الطبيعة (1)... فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم، زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر، ينشأ عنه شيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الأطهار والأنبياء " يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر؟ فمن أين إذا هذه الأضاليل الكثيرة؟ "، فيجيب الله " إني أعطيت البشر تعليما صالحا، ولكن بينما كان البشر منقطعين إلى الباطل، زرع الشيطان ضلالا، يبطل شريعتي "، فيقول الأطهار " يا سيد! إننا نبدد هذه الأضاليل بإهلاك البشر "، فيجيب الله " لا تفعلوا هذا، لأن المؤمنين متحدون بالكافرين اتحادا شديدا بالقرابة، حتى أن المؤمنين يهلكون مع الكافرين ولكن تمهلوا إلى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار، فيقعون مع الشيطان في الجحيم،

(١) قرأت في إحدى الصحف أن بعضهم قال إن كل إنسان في نظر المسيح وفي تعاليمه هو ابن الله، والناس كلهم أبناؤه، فأي نسب أعز من هذا النسب وأكرم "!، ثم ردد آخر هذا الكلام وحبذه، فلما قرأته تألمت، وحاولت النوم فلم أستطع إلا بعد أن أرسلت له برقية أقول فيها " أحبكما لفصاحتكما، ولكني أحب الحق أكثر منكما، فالخلق جميعا عباد الله، كما تقول تعاليم جميع الأنبياء، ولن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله، ولا الملائكة المقربون ".
ويقول الأستاذ المرحوم أحمد نجيب برادة إنه لا محل لقولهم إن تسمية الخالق بالأب إشعار برأفته وعطفه، لأن ما في اسم الرب من معاني التربية والرعاية والعطف - كما يقول الإمام محمد عبدة - أعلى وأبلغ، إذ أن معنى الأب يتضمن للولد بمقتضى شهوته لا لمجرد محبته، على أن التعبير بالرب فيه التعميم، بينما الأب تخصيص للولد وإيثار للفرد، وهذا زيادة على ما فيه من تحديد للمعبود وجعله متعلقا بالمادة، فيشترك مع ما هو من خلقه، أو يشترك ما هو من خلقه معه " هو الله، لا إله إلا هو، تعالى الله عما يشركون "، راجع ص ٨١ من وحي الآيات الأولى في تنزيل القرآن للمرحوم الأستاذ أحمد نجيب برادة. وهنا ذكرت لفظة الأب عند التمثيل برياسة الأسرة، فظنوها اللفظة التي يفهمونها، مع أنه شبه العالم بأسرة، ولله المثل الأعلى!
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»