القرن الرابع المسيحي، إذ رأى المسيحية قد انتشرت وتجاوزت الطبقات الدنيا إلى الطبقات العليا، وأن مظالم أسلافه قد نفرت الشعب، وأن أمراء رومية قد استبدوا بالأمر، حتى صار الإمبراطور لعبة في أيديهم، فرأى لسلامة الدولة إنصاف المسيحيين، فترك رومية وسار إلى بيزنطة على البوسفور وسماها باسم رومية الجديدة، وأصدر أمرا بإعطاء الحرية لكل المذاهب، فشاد المسيحيون الكنائس وواصلوا بعضهم بعضا، وطمعت كنيسة بيزانطة أن تسود كل الكنائس، فانتقلت النصرانية إلى مقاومة بعضها البعض، وكانت الفئة الملكية المتحدة مع كنيسة القسطنطينية، تضطهد كل من يخالفها بحرمانه من الكنيسة وسفك دمه وإضاعة ماله!
ولم يكد قسطنطين ينزح عن رومية، حتى تناول الحكم أشرافها، وظهر أسقفها الذي يسمونه البابا بشدة قبضه على القلوب والعقول، فخضع الجميع له، وما زال يستبد بهم حتى أصبح ملكا زمانيا حارب العلم والعلماء واضطهد حرية الفكر ومنع المسيحيين من تلاوة الكتب الراقية حتى حظر عليهم تلاوة الإنجيل نفسه بدعوى أن الرهبان والقسيسين وحدهم هم الذين يقوون على فهمه دون سواهم!
هذا في الغرب، أما في الشرق، فكانت الحروب الدينية قائمة، وكثر فيهم أصحاب المذاهب والنحل، وكانت كل فئة تعمل على نكاية غيرها (1)!
ولقد أجمع مؤرخو الثلاثة قرون الأولى المسيحية، على أن النصارى كانوا يبذلون كل ما في وسعهم لمحو آثار الوثنية بتكسير ما كان يصل إلى أيديهم من الأنصاب والأصنام وحرق وتمزيق كل ما يصل إلى أيديهم من كتب، وغالوا حتى حرقوا كل كتاب يصل إليهم مهما كان غرضه!