الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٨
والغريب في هذا العهد أن القسس والرهبان، قد ضيقوا على المدارك والأفهام بمنتهى الشدة، فكانت النصرانية في هذه الفترة التي هي بين حرية النصرانية وظهور الإسلام، واقعة تحت سيطرة رجال الدين، يصادرونها في عقول رجالها ويسيطرون على كل شئ لهم حتى على قلوبهم، وزادت الخصومات بينهم بالاجتماعات الدينية ضد فلان وفلان من القسس والتحزب والأحقاد، فأدى هذا الحجر إلى إجماع النصارى على جعل عيسى إلها، وقاموا على شيعة آريوس الذي قال إن عيسى عليه السلام روح الله وليس بإله، فشتتوهم وقتلوا الكثير منهم، وأضاعوا مؤلفات جهابذتهم!
في هذا الوقت الحرج الذي كادت تتلاشى فيه آثار المدنية وتمحى العدالة من الوجود، بل في الوقت الذي كان فيه الخراب يهدد العالم بأجمعه على أثر استبداد أولئك المستبدين بعد اتفاقهم مع خونة الكهنة والقسيسين، ظهر نبينا العربي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، معلنا التوحيد، عاملا على استئصال شأفة الاشراك، هاديا الناس إلى الصراط السوي (1)!
(10) والتوحيد في الأصل قبل الاصطلاح هو اعتقاد وحدانية الله بلا شريك، وقد طالب الله الخلائق بتوحيده على لسان رسله من لدن آدم، كما في القرآن والكتب السماوية الأخرى، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "، ولكن كثيرا من تلك الأمم كان يبتعد من برهان العقل ويقف في الغالب عند ظاهر الكتب السماوية، ويزعم أن بين الدين والعقل تنافرا، وفي زمن الفترة وصل قوم إلى توحيد الله بالعقل واستدلوا بما عن لهم من صنع الله، كورقة بن نوفل وزيد بن عمرو وغيرهما.
ثم ظهر الإسلام وأنزل الله القرآن، فبين حقوق الله وصفاته وأدحض بالبراهين حجج المبطلين وأيد محمدا صلى الله عليه وسلم، وطالب بالتدبر والتفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وغير ذلك.

(1) راجع ص 56 - 58 و 68 - 71 من خواطر في الإسلام ج 1 للمرحوم عطا حسني بك.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»