الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٩
من هنا اتفق العقل والدين كما أمر الله في كتابه، ومن ذلك عرف المسلمون أن من الدين ما لا يفهم إلا بواسطة العقل، كالعلم بوجود الله وقدرته على إرسال الرسل، وغير ذلك.
وصف الله نفسه في القرآن بأوصاف كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والاستواء على العرش، وأثبت أن له وجها ويدا، وأعطى الإنسان شيئا من نحو هذا الجنس، ولله المثل الأعلى، فكان ذلك سببا في بحث العقل، فأخذ الناس يفهمون ويتفكرون، وكانوا يرجعون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ثم رجعوا من بعده إلى أبي بكر وعمر، وكانوا ينزهون الله كما يفهمون من الكتاب، ويفوضون العلم إليه فيما يوهم التشبيه.
ثم حدثت الفتنة التي فيها قتل عثمان، وكان من أهل الفتنة رجل يهودي يقال له عبد الله بن سبأ، أسلم وتشيع لعلي حتى زعم أن الله حل فيه، وطعن على عثمان، ودعا الناس إلى مبايعة علي، وقال إنه أحق بالخلافة، وأظهر الرفض عند حكم الحكمين في صفين، فكان ذلك منشأ لعقائد السوء في زمنه وبعد زمنه (1).
حتى قال علي " يهلك في رجلان: محب مفرط، وباهت مفتر " وقال " سيهلك في صنفان: محب مفرط، يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط، يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في حالا النمط الأوسط، فالزموه، والزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه (2) "!
والغريب أن هذا الحب الفاجر، كان لرجل قانت شديد الخشية لله والتواضع لعبيده! انظر ماذا قال علي لرجل من أصحابه أكثر الثناء عليه وذكر

(١) راجع ص ٥ - ٧ من كلمة التوحيد للمرحوم الشيخ حسين والي.
(٢) راجع ص ٢٦١ من نهج البلاغة ج ١. وقال في ص 252 ج 2 " هلك في رجلان:
محب غال، ومبغض قال "!.
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»