الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٨٨
اكتسبته النفس في هذا العالم، فإن تطهرت هنا بالتوبة النصوح والحسنات الماحية والمصائب المكفرة، لم يحتج إلى تطهيرها هناك، وقيل لها مع جملة الطيبين " سلام عليكم طبتم، فادخلوها خالدين " (أي ادخلوا الجنة)، وإن لم تتطهر في هذه الدار، ووافت الدار الأخرى بدرنها ونجسها وخبثها، أدخلت النار طهرة لها، ويكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن والخبث والنجاسة التي لا يغسلها الماء، فإذا تطهرت الطهر التام، أخرجت من النار (1)!
وقال تعالى في صفة النار " حتى إذا جاءوها، فتحت أبوابها " (بغير واو)، ولكن عند ذكر الجنة ذكر الواو " وفتحت ".
ويقول ابن القيم ما خلاصته إن السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة، وذكره في آية أهل النار، أن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة، حتى إذا وصلوا إليها، فتحت في وجوههم، فيفجأهم العذاب بغته، وأما الجنة، فإذا انتهوا إليها، صادفوا أبوابها مغلقة، فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم، ويستشفعون إليه بأولى العزم من رسله، وكلهم يتأخر عن ذلك، حتى تقع الدلالة على خاتمهم وأفضلهم، فيقول " أنا... لها "، فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه، فيدعه ما يشاء أن يدعه، ثم يأذن له في رفع رأسه، وأن يسأل حاجته، فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها، فيشفعه ليفتحها، تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه. وتأمل في سوق أهل الدارين زمرا، أهل الجنة، مستبشرين مبشرين بدخولها، بالدخول إلى المقاعد والمنازل، وأهل النار، مغتمين مبكتين مصغرين، بقول خزنتها لهم " ادخلوا أبواب جهنم " صغارا لهم وإذلالا وخزيا (2)!
وعن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات (3) "، وقال الله تعالى حكاية

(1) راجع ص 192 من حادي الأرواح لابن القيم.
(2) راجع ص 88 - 99 من حادي الأرواح لابن القيم.
(3) راجع ص 240 من تيسير الوصول للشيباني ج 3.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»