الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٧١
نطفة أو ناقعة دم ومضغة أو ناشئة خلق أو سلالة، لم يلحقه في ذلك كلفة ولا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة، بل نفذ فيهم علمه وأحصاهم عده وغمرهم فضله مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله!
اللهم أنت أهل الوصف الجميل وتعداد الكمالات الكثير، إن تؤمل فخير مؤمل وإن ترج فأكرم مرجو، اللهم وقد بسطت لي فيما لا أمدح به غيرك ولا أثنى به على أحد سواك ولا أوجهه إلى معادن الخيبة ومواضع الريبة، وعدلت بلساني عن مدائح الآدميين والثناء على المربوبين المخلوقين، اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء أو عارفة من عطاء، وقد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة، اللهم وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك ولم ير مستحقا لهذه المحامد والممادح غيرك، وبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك ولا ينعش من خلتها إلا منك وجودك، فهب لنا في هذا المقام رضاك واغننا عن مد الأيدي إلى سواك، إنك على كل شئ قدير (1) " " كل شئ خاضع له وكل شئ قائم به، غنى كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف، ومن تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، لم ترك العيون فتخبر عنك، بل كنت قبل الواصفين من خلقك، لم تخلق الخلق لوحشة، ولا استعملتهم لمنفعة، ولا يسبقك من طلبت، ولا يفلتك من أخذت، ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك، ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغني عنك من تولى عن أمرك، كل سر عندك علانية وكل غيب عندك شهادة، أنت الأبد لا أمد لك، وأنت المنتهى لا محيص عنك، وأنت الموعد لا منجأ منك إلا إليك، بيدك ناصية كل دابة، وإليك مصير كل نسمة، سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، وما أصغر عظمة في جنب قدرتك، وما أهول ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما

(١) راجع ص ١٧٤ - ١٩٨ من نهج البلاغة ج ١.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»