بها ويحسده عليها، قد حازها دونه، فلم يزل الموت يبالغ في جسده، حتى خالط لسانه وسمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه، يردد طرفه بالنظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع كلامهم، ثم ازداد الموت التياطا، فقبض بصره كما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده، فصار جيفة بين أهله، قد أوحشوا من جانبه وتباعدوا من قربه، لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا، ثم حملوه إلى محط في الأرض وأسلموه فيه إلى عمله، وانقطعوا عن زورته، حتى إذا بلغ الكتاب أجله، والأمر مقاديره، وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، أماد السماء وفطرها، وأرج الأرض وأرجعها، وقلع جبالها ونسفها، ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته ومخوف سطوته، وأخرج من فيها فجددهم على أخلاقهم وجمعهم بعد تفرقهم، ثم ميزهم لما يريد من مسألتهم عن خفايا الأعمال وخبايا الأفعال، وجعلهم فريقين، أنعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء (1) "!
وبعد فقد رأينا في الفصول السابقة تعاليم السيد المسيح الصحيحة وكلها تفيض تمجيدا لله وتوحيده، ومنها وقفنا على روحانية نبيلة ودعوة للطهر لسلام الروح، وسنوقفك في هذا الفصل على صفوة ما جاء في إنجيل برنابا عن مولده وتآمر الكهنة عليه وخيانة يهوذا له ورفعه إلى السماء، وسنحدثك عن معجزاته التي أدت إلى الفتنة الكبرى، مع أنها كلها للمتبصر واضحة جلية لأنها بإذن الله، ولله الذي أوجد آدم من غير أب وأم، وأوجد حواء من غير أم، أن يوجد عيسى بن مريم من غير أب، والله القادر أن يؤتيه بإذنه القدرة على شفاء المرضى وإبراء الأبرص والأكمه وإحياء الموتى وحفظه بأن شبه يهوذا به عند الصلب، ثم إكرامه عليه السلام برفعه إلى السماء، لأنها كلها إرادة الله، ولله أن يريد ما يشاء، ولكن على قلوب أقفالها!
وسنحدثك في هذا الفصل إن شاء الله بعد ذلك عن عقيدة المسيح في التوحيد ودعوته له، فنحدثك عن استنكاره عليه السلام كفر الكفار