الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٦٧
وأذعن لطاعته وأجاب إلى دعوته، ولم يعترض دونه ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ، فأقام من الأشياء أودها ونهج حدودها، ولاءم بقدرته بين متضادها ووصل أسباب قرائنها وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والأقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها وفطرها على ما أراد وابتدعها!
ونظم بلا تعليق رهوات فرجها ولاحم صدوع انفراجها ووشج بينها وبين أزواجها وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها ناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها، وأمسكها من أن تمور في خراق الهواء بأيده، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره، وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها، وقمرها آية ممحوة من ليلها، فأجراهما في مناقل مجريهما وقدر سيرهما في مدارج درجيهما، ليميز بين الليل والنهار بهما، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما، ثم علق في جوها فلكها، وناط بها زينتها من خفيات دراريها ومصابيح كواكبها، ورمى مسترقي السمع بثواقب شهبها وأجراها على إذلال تسخيرها من ثبات ثابتها ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها، ونحوسها وسعودها!
ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقا بديعا من ملائكته، ملأ بهم فروج فجاجها وحشى بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع سبحات نور تروع الأبصار عن بلوغها فتقف خاسئة على حدودها، أنشأهم على صور مختلفات وأقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا مما انفراد به، بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»