قلوبهم تواضع إخبات السكينة وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده، لم تثقلهم موصرات الآثام ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في ثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم، قد استفرغتهم أشغال عبادته ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته و قطعهم الايقان به إلى الوله إليه ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره، قد ذاقوا حلاوة معرفته وشربوا بالكأس الروية من محبته وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم ولم ينفذ طول الرغبة إليه مادة تضرعهم ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم ولم يتولهم الاعجاب فيستكثروا ما سلف منهم ولا تركت لهم استكانة الاجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤبهم ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات زجلهم ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد ولا شعبتهم مصارف الريب ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان، لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول ولا ونى ولا فتور، وليس في أطباق السماء موضع إهاب
(١٦٨)