الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٦٩
إلا وعليه ملك ساجد أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما!
كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ولجج بحار زاخرة، تلتطم أو أذى أمواجها وتصطفق متقاذفات أثباجها وترغو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها وسكن هيج ارتمائه إذ وطئنه بكلكلها وذل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا وفي حكمة الذل منقادا أسيرا، وسكنت الأرض من مدحوة في لجة تياره وروت من نخوة بأوه واعتلائه وشموخ أنفه وسمو غلوائه، وكعمته على كظة جريته، فهمد بعد نزقاته ولبد بعد زيفان وثباته، فلما سكن هياج الماء من تحت أكنافها وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها، فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذرات الشناخيب الشم من صياخيدها، فسكت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها و تغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها، و فسح بين الجو وبينها وأعد الهواء متنسما لساكنها وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها، ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها وتستخرج نباتها، ألف غمامها بعد افتراق لمعه وتباين قزعه، حتى إذا تمخضت لجة المزن فيه والتمع برقه في كففه ولم ينم وميضه في كنهور ربابه ومتراكم سحابه، أرسله سحا متداركا، قد أسف هيدبه، تمريه الجنوب درر أهاضيبه ودفع شآبيبه، فما ألقت السحاب برك بوانيها وبعاع ما استقلت به من العب المحمول عليها، أخرج به من هوامد الأرض النبات ومن زعر الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها تزدهر بما ألبسته من ريط أزاهيرها وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها، وجعل ذلك بلاغا للأنام ورزقا للأنعام، وخرق الفجاج في آفاقها وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»