وأجل مقسوم، تمور في بطن أمك جنينا لا تحير دعاء ولا تسمع نداء، ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغداء من ثدي أمك وعرفك عند الحاجة مراضع طلبك وإرادتك، هيهات إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات، فهو عن صفات خالقه أعجز، ومن تناوله بحدود المخلوقين أبعد (1) "!
" ابتدعهم خلقا عجيبا من حيوان وموات وساكن وذوي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنيعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته، وما درأ من مختلف صور الأطيار التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها ورأسي أعلامها (2)!... " " الحمد لله الذي كل معط منتقص سواه (3)، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم وعوائد المزيد والقسم، عياله الخلق، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم، ونهج سبيل الراغبين إليه والطالبين بما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل، الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والآخر الذي ليس له بعد، فيكون شئ بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه، ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار، من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد المرجان، ما أثر ذلك في جوده، ولا أنفذ سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ولا يبخله إلحاح الملحين، هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام