هذي هي الوهابية - محمد جواد مغنية - الصفحة ١٦
البيت العتيق، والمسجد الحرام، وكعبة المسلمين وقبلتهم، فرأيت الألوف بملابس الإحرام، مكشوفي الرؤوس، يطوفون ويصلون، ويرددون في تطوافهم: " يا كريم يا غفار " منصرفين إلى الله وحده، حتى عن أنفسهم وذويهم، متجهين إليه سبحانه بنفوس نقيه، وعاطفة تقية، وقلوب معبأة مهيأة إلى فضل الله ورضوانه.
وفجأة، ودون أية سابقة، انتابتني رعشة هزتني من الأعماق تجلي تأثيرها ووقعها في بكائي وتضرعي، وانقطاعي إليه سبحانه، وشعرت كأني أمام الله وجها لوجه، وأني في عالم كله نور وروح، وهذا هو معنى العبادة بروحها وجوهرها، أنها أولا وقبل شئ اليقين بالله، والإخلاص فيما ترجوه منه، والصدق في تضرعك له.
وقال قائل: إن العبادة ركوع وسجود، وسعي وطواف، وكفى.. وذهب آخر إلى أنها تفكير فلسفي. وزعم ثالث أنها رياضة ومكاشفة، والحق أنها قلب متطلع إلى رحمة الله، واثق بمغفرة الله.. وكل حاج يحمل هذا القلب المتطلع الواثق فيما أعتقد إلا من اتخذ الحج وسيلة للعوائد والفوائد العاجلة. وإن شككت في شئ فلن أشك بأن الله يقبل الجميع ما دام هو القصد والغاية، حتى الجاهل الذي لا يعرف مكان الدقة في الطواف، ولا يحسن انتقاء " الخرش البرش " من حصى الرمي..
سمعت امرأة تقول، وهي تشير إلى الكعبة: رحمتك
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»