" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا - النمل 14 ".
وبكلمة أن كل من قامت عليه من الله الحجة القطعية المجمع عليها فليس له أن يخالفها، ويجتهد ضدها، لأن اجتهاده، والحال هذه يكون ردا على الله ورسوله، ولا تقوم هذه الحجة إلا إذا كانت كوضح النهار، بحيث لا يسوغ الاعتذار معها بالجهل، مما دام طريق العلم بها ميسرا وواضحا، لا غموض فيه، ولا التباس، وإذا لم تبلغ هذه المرتبة من الوضوح وكان للاجتهاد فيها مجال يكون معذورا لو خالف الواقع، على شريطة أن يعقد العزم على أنه إذا استبان الخطأ رجع عنه.. والعقل هو الحاكم بنفي المسؤولية عن المخطئ غير المقصر، والشرع يقر العقل في حكمة هذا من باب الإرشاد إلى الواقع، لا من باب الرفق والتسامح، لأن سير الإنسان بموجب فهمه شئ طبيعي، لا يستطيع التخلص منه، بل هو مصدر الحركة والحياة.
ومن هنا رأينا سيرة العقلاء في كل عصر ومصر على نفي المسؤولية عن المخطئ إذا حقق ودقق، سواء أكان فقيها، أم طبيبا، أم مهندسا، أم بناءا، وما إليه، لأن الإنسان، أي إنسان يعمل بما يعتقد أنه الحق، لا بما هو حق في علم الله..
وكذلك اتفقت جميع الشرائع السماوية والوضعية على أن مجرد المخالفة في الرأي لا تستتبع العقوبة والمسؤولية. والاختلاف في الرأي ملازم لطبائع البشر، وكثيرا