التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ٥٦
إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن، وعبادة المبتدع في الدين ما ليس منه، فالله سبحانه لما نهى الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره، ووبخهم على وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله وبين لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه، وكان الحامل لهم على ذلك اتباع أهوائهم والاسترسال مع أغراضهم، وذلك مناف لعبوديتهم، إذا العبد لا يتصرف في نفسه بمقتضى شهوته وغرضه، وإنما يتصرف على مقتضى أمر سيده ونهيه، قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم حتى يكونوا عبيدا لله تعالى اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم الأعمال التي تعبدهم بها والطرق التي توصلهم إلى منافعهم ومصالحهم على الوجه الذي ارتضاه لهم ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم حتى أن العبد إذا أخذ حظه من العمل المشروع لمصلحته فإنما أخذ من تحت الحد المشروع، وحصر الأعمال العبادية في أنواع التكاليف.
فما كان منها مشروعا لمحض التعبد كانت صحته موقوفة على نية التقرب وما يساويها، وما كان مشروعا لتحصيل المصالح لم تتوقف صحته بمعنى الاعتداد به على ذلك، لكنه لا يقع عبادة إلا مع النية المذكورة، ومن خرج عن هذا الحد وعبد الله تعالى بغير تلك التكاليف فعمله رد، وهذا هو المسمى بالبدعة لأنه اخترع طريقة في الدين لم يسبق لها مثال، وإنما يطل عمله لأنه لغير داعية الشرع بل لاتباع الهوى وهو مخالف لقصد الشارع من وضع الشريعة، وهو الإخراج عن دائرة الهوى والرجوع والانقياد لله في جميع الأحوال، والمخالف لقصد الشارع باطل، فتبين من هذا أن العبادة الشرعية هي التكاليف التي اشتملت عليها الشريعة، سواء منها ما كان معقول المعنى أم غير معقول، إلا أن الثاني تتوقف صحته على النية بخلاف الأول فإنه يصح بمعنى يعتد به دونها، وإنما يتوقف كونه عبادة عليها، وأن ما خرج عن التكاليف الشرعية ليس من العبادة في شئ، وإن قصد فاعله به العبادة وإنما هو بدعة، وهل إخلاص العبادة لله تعالى من شوائب الحظوظ بأن يعمل العامل الطاعة امتثالا للأمر الوارد منه على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا لرجاء ثواب ولا لخشية عقاب ولا لتحصيل غرض عاجل.
ولا شك أن هذه أعلى مراتب العبادة وأجل طرق السعادة، شرط صحة فيها وهو
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»