فمثلا: الغوث من الله خلق وإيجاد، ومن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تسبب وكسب، وهذا على فرض إننا طلبنا الغوث منه صلى الله تعالى عليه وسلم مع أننا لم نفعل ذلك، ولو فعلناه لصح على طريق التسبب والاكتساب بطلب الدعاء منه عليه الصلاة والسلام وقد قالت أم إسماعيل عندما سمعت الصوت (أغث إن كان عندك غواث) فأسندته إليه على سبيل الكسب، فكيف يجوز مع هذا تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم بالتوسل والاستغاثة؟ (حتى على اصطلاحهم الذي نوافقهم على والنزاع في معان لا في ألفاظ). وقد جاء في الحديث الصحيح: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه)، وقد قال الله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا): فإذا كان هذا في رجل لم يكن منه إلا مجرد السلام الذي هو تحية المسلمين.
فكيف بمن يتجاسر على خيار الأمة المحمدية ويكفرهم بالتوسل بالأنبياء والصالحين بشبه أوهى من بيت العنكبوت؟، (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين).
ومن المقرر أن اليقين لا يزول بالشك وأنه يؤول للمسلم من وجه إلى سبعين وجها = كما نص عليه النووي وغيره من العلماء =، ولست أدري هل يأخذ هؤلاء بظواهر العبارات أم بالمقصود منها؟، فإن كان التعويل عندهم على الظواهر كان قول القائل:
(أنت الربيع البقل، وأرواني الماء، وأشبعني الخبز) شركا وكفرا.
وإن كانت العبرة بالمقاصد والتعويل على ما في القلوب التي تعتقد أنه لا خالق إلا الله، وإن الإسناد لغيره إنما هو لكونه كاسبا له أو سببا فيه، لا لكونه خالقا له، لم يكن شئ من ذلك كله كفرا ولا شركا، ولكن القوم متخبطون، خصوصا في التفرقة بين الحي والميت على نحو ما يقولون (كأن الحي يصح أن يكون شريكا لله دون الميت) أو كأن الأرواح تستمد قوتها وسلطانها من الأشباح لا العكس، ولكنهم ليسوا أهل منطق ولا برهان.