وإني لا أدري كيف يكفرون من يقول: إن الله خالق كل شئ، وبيده ملكوت كل شئ، وإليه يرجع الأمر كله، والمتوسل ناطق بهذا في توسله، فإن المتوسل إلى الله تعالى بأحد أصفيائه قائل إنه لا فاعل إلا الله، ولم ينسب إلى من توسل به فعلا ولا خلقا، وإنموا أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالى، وهي ثابتة لا شك فيها، وبها يشفع صلى الله تعالى عليه وسلم للخلائق يوم القيامة، وبهذا الاعتقاد الراسخ الذي يكاد يكون فطريا في النفوس كلها ذهبت الخلائق يوم القيامة إلى الأنبياء والمرسلين ليشفعوا لهم عند الله تعالى، على أن المؤمن قد خرج من تلك الوساوس بمقتضى إيمانه بأن الله تعالى ليس له شريك، وأن لا إله إلا هو، حتى أننا لو رأيناه أسند شيئا لغير الله عز وجل، علمنا بمقتضى إيمانه إنه من الإسناد المجازي لا الحقيقي.
وقد قررنا ذلك في نحو قوله (أنبت الربيع البقل) وفرقنا بين صدوره من المؤمن وصدوره من الكافر فالمستغيث لا يعتقد أن المستغاث به من الخلق مستقل في أمر من الأمور غير مستمد من الله تعالى أو راجع إليه، وذلك شئ مفروغ منه، ولا فرق في ذلك بين الأحياء والأموات، فإن الله خالق كل شئ ولا تأثير عندنا لشئ في شئ بنفسه فهذا هو ما عليه جماعة أهل الحق.
وقد قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)، وقال تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)، وقال تعالى:
(فارزقوهم منه) الخ ما هو في الكتاب والسنة، وهو كثير في لسان الشرع ومعروف في بديهة الفطرة.
وأعجب العجب أنهم لا يتحاشون الإسناد إلى الجمادات ولا يمتنعون منه فيقولون:
أرواني الماء وأشبعني الخبز ونفعني الدواء، فإذا سمعوا مثل ذلك الإسناد إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قامت قيامتهم وتبجح سفهاؤهم، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، وإنا نسألهم: (وهم أكثر الناس تراميا على الناس) هل تعتقدون إن من تسألونه في قضاء حاجاتكم خالق مع الله مستقل؟، فإذا اعتقدتم ذلك كنتم أولى بالإشراك، وإن قلتم إننا نذهب إليه ونسند له الفعل والإعطاء والمنع على سبيل المجاز والتسبب فإن الله تعالى جعله