فإنه قال، أعني ابن تيمية، (أما ما ذكره في قصة آدم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بإسناده يصلح الاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد).
ثم ادعى ابن تيمية أنه كذب وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك أو لتعرض للجواب عنه، وكأني به أن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث.
ونحن نقول قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم وأيضا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع وقد ورد فيه هذا الحديث، وسنزيد هذا المعنى صحة وتثبيتا بعد استيفاء الأقسام.
وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له، ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل أو الاستغاثة أو التشفع أو التجوه والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه متوسل بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه، ومستغيث به والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده، فالباء ههنا للسببية، وقد ترد للتعدية كما تقول من استغاث بك فأغثه، ومستشفع به ومتجوه به ومتوجه فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد.
(فإن قلت): المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع له فكيف يصح أن يقال يتشفع به، (قلت): ليس الكلام في العبارة وإنما الكلام في المعنى وهو سؤال الله بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم = كما ورد عن آدم وكما يفهم الناس من ذلك = وإنما يفهمون من التشفع والتوسل والاستغاثة والتجوه ذلك، ولا مانع من إطلاق اللغة هذه الألفاظ على هذا المعنى، والمقصود أن يسأل العبد الله تعالى بمن يقطع أن له عند الله قدرا ومرتبة، ولا شك أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له عند الله قدر علي ومرتبة رفيعة وجاه عظيم، وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر بحيث إنه إذا شفع عنده قبل شفاعته، فإذا انتسب إليه شخص في غيبته وتوسل بذلك وتشفع به فإن ذلك الشخص يجيب السائل