إيقاع العبادة واجبة، والواجب أفضل من النفل، والنذر مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل)، (قلت) جعل النفل فرضا ليس بقربة بل هو مكروه لما فيه من الخطر والتعرض للإثم بتقدير الترك، ووقوع العبادة ممكن بغير النذر فلم يحصل بالنذر إلا التعرض للخطر والحرج، على إنا نقول إن وسيلة القربة قربة من حيث هي موصلة لذلك المطلوب، وقد يقترن بها أمر عارض يخرجها عن ذلك كالمشي إلى الصلاة في طريق مغصوب، والمدعى أن الفعل إذا كان مباحا ولم يقترن به إلا قصد القربة به كان قربة، وهذا لا يستثنى منه شئ.
(فإن قلت) كيف تجزمون بهذا وقد اشتهر خلاف الأصوليين في أن الأمر بالشئ أمر بما لا يتم إلا به أولا، ومقتضى ذلك أن يجرى خلاف في أن وسيلة المندوب هل هي مندوبة أو لا؟ (قلت) سنبين في آخر الكلام أن كون الفعل قربة أعم من كونه مأمورا به، ثم أفاض في تفصيل (ما لا يتم المأمور به إلا به) وحقق إن الزيارة مأمور بها، والسفر إليها شرط في تحققها، وإن الجمهور على أن هذا السفر مأمور به واجب لوجوب مقصده في نحو أربع ورقات:
الباب السابع: أفاض فيه في دفع شبه ابن تيمية قال: (الباب السابع) في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته وفيه فصلان:
(الأول): في شبهه، وله ثلاث شبه - إحداها: توهم قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) دليلا على منع السفر للزيارة وليس كما توهمه، ونحن نذكر ألفاظ الحديث ثم نذكر معناه إن شاء الله تعالى، وهذا الحديث متفق على صحته، وذكر له عدة ألفاظ ثم قال: وإما معناه فاعلم أن هذا الاستثناء مفرغ، تقديره لا تشد الرحال إلى مسجد إلا إلى المساجد الثلاثة، أو لا تشد الرحال إلى مكان إلا إلى المساجد الثلاثة، ولا بد من أحد هذين التقدير ليكون المستثنى مندرجا تحت المستثنى منه، والتقدير الأول أولى لأنه جنس قريب، ولما سنبينه من قلة التخصيص أو عدمه على هذا التقدير.