في أمسية من أماسي عام 1937 كان ركب السير جون فلبي الانكليزي الشهير الذي صار الحاكم الفعلي للسعودية والموجه لسياستها والمدبر لأمورها - كان ركب فلبي هذا يدخل مدينة نجران في رحلته الشهيرة التي مضى فيها بعد ذلك إلى الربع الخالي، وكان في الركب رفيقا لفلبي أحد شيوخ النجديين الشيخ محمد التميمي.
فما هو أن استراح فلبي من وعثاء السفر حتى راح يسأل في نجران عن أسرة يهودية وعن عميدها المسمى يوسف ليسلمه أمانة مالية مرسلة من الملك عبد العزيز بن سعود، ثم مضى فلبي يصحبه التميمي وسلم فلبي يوسف المذكور خمسمائة ريال فضية، من العملة المنقوش عليها اسم ماري تريز وهي العملة المتداولة في اليمن، وأبلغه تحيات الملك، وسأله عن حاجاته ليقضي منها ما يستطيع قضاءه وليرفع ما لا يستطيع قضاءه إلى الملك ليقضيه بنفسه.
فشكر يوسف اليهودي فضل الملك وعاطفته ثم قدم إلى فلبي كتابا خطيا بعضه بالعربية وبعضه بالعبرية اسمه العربي (نبع نجران المكين في تراث أهله الأولين)، ولم يكن بعض ما في الكتاب مجهولا لدى كثير من الخاصة في نجد ولكن التفاصيل التي فيه كانت مثيرة حقا، وكلف يوسف اليهودي رسول الملك فلبي أن يهدي بالنيابة عنه هذا الكتاب إلى جلالة الملك السعودي تقديرا لعاطفته وصلاته المتكررة ليهود نجران بعامة وليوسف وأسرته بخاصة، وقد كان ما في الكتاب شيئا خطيرا حمل فلبي على أن يذاكر بشأنه زميله الانكليزي الآخر ه. ر. ب دقسن المعتمد البريطاني في الكويت، وأن يقررا معا وجوب طي الكتاب وعدم إظهاره حرصا على المصلحة الاستعمارية.
يقول الشيخ محمد التميمي: لقد أغاظني هذا اليهودي يوسف وهو يحدثنا حديث المزري على العرب المستخف بالمسلمين، وقد كان يشير بذلك وبقوله إن العرب والمسلمين لا يصلحون لتولي أمور الناس، وبالإشادة بنجاح آل سعود - كان يشير إلى ما كنا نجهل تفاصيله يومذاك وإن علمنا مجمله عن الحقيقة في نسب آل سعود، هذه الحقيقة التي أخذنا على أنفسنا تقصيها بعد ذلك حتى عرفنا دقائقها من شيوخنا الذين عرفوها من شيوخهم دون أن يجرؤ أحد على كشفها جلية للناس أجمعين، بل ظل الذين يعرفونها يتهامسون بها همسا ويوصلها جيل إلى جيل ليأتي اليوم الذي يمكن الجهر بها من غير أن