ولا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه وورعه وزهده وبذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها وإن أخطأ في هذه المسألة كابن حجر الهيثمي فإنا نعرف كلامه في الدر المنظم (1) ونعتني بكتبه ونعتمد على نقله.
أقول: اعتذاره عن لزوم تكفير غالب الأمة بل كلها عدى الوهابيين بأن لازم المذهب ليس بمذهب فذهابهم إلى أن من قال: يا رسول الله أسألك الشفاعة مشرك مهدور الدم وإن لزم منه تكفير غالب الأئمة لا سيما المتأخرين المصرحين بأنه مندوب إلا أنهم لا يقولون بهذا اللازم، غير صحيح: (أولا) مخالفته لتصريحاتهم التي لا تقبل التأويل.
(ثانيا) أن تكفير غالب الأمة ليس بلازم المذهب بل هو عين المذهب فإن مذهبهم أن كل من توسل أو تشفع بمخلوق فقد أشرك فإذا كان المسلمون يفعلون ذلك فمذهبهم أنهم مشركون بطريق الصراحة ودلالة المطابقة لا بطريق اللزوم، وقياسه على المسألة التجسيم إن صحت قياس مع الفارق، فالقائل بجهة العلو لا يصرح بالتجسيم لكن يلزم من جهة العلو الجسمية ولكن لا يلزم أن يكون القائل بجهة العلو قائلا بالتجسيم لجواز أن يعتقد الشخص شيئا ولا يعتقد بلازمه بل إذا سئل عن لازمه يبرأ منه ولذلك لم يكن لازم المذهب مذهبا بخلاف ما نحن فيه إذ مذهب الوهابية أن المتشفع والمتوسل بغير الله مشرك، وهذا شامل بوجه العموم والدلالة المطابقية لمن يقول يا رسول الله إشفع لي لا بوجه الملازمة ولا يمكن الجمع بين القول بأن من تشفع بغير الله مشرك ومن قال يا رسول الله إشفع لي ليس بمشرك بل هو تناقض صريح محال بخلاف الجمع بين القول بجهة العلو والقول بعدم الجسم فإنه ممكن واقع.
وإن أرادوا أنهم لا يكفرون من يعتقد رجحان التشفع إذا لم ينطق به، ففيه أولا أنه إذا كان سؤال الشفاعة كفرا وشركا لزم أن يكون معتقد جوازه كافرا مشركا وإن لم يتلفظ بالسؤال فهو كمن يعتقد السجود للصنم وإن لم يسجد. والكفر كما يكون بالأعمال يكون بالاعتقاد. ثانيا: أن هذا لو سلم لا ربط له بمسألة كون لازم المذهب ليس