تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ١١٦
(والقول الثاني) أنه يقصر فيه وهذا يقوله من يجوز القصر في السفر المحرم كأبي حنيفة رحمه الله ويقوله بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد ممن يجوز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين كأبي حامد الغزالي وأبي الحسين بن عبدوس الحراثي وأبي محمد بن قدامة المقدسي وهؤلاء يقولون إن هذا السفر ليس بمحرم لعموم قوله زوروا القبور وقد يحتج بعض من لا يعرف الأحاديث بالأحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي رواه الدارقطني وابن ماجة وأما ما يذكره بعض الناس من قوله من حج ولم يزرني فقد جفاني فهذا لم يروه أحد من العلماء وهو مثل قوله من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله الجنة فإن هذا أيضا باطل باتفاق العلماء لم يروه أحد ولم يحتج به واحد وإنما يحتج بعضهم بحديث الدارقطني وقد احتج أبو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء وأجاب عن حديث لا تشد الرحال بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب وأما الأولون فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به فلو نذر الرجل أن يصلي في مسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة ولو نذر أن يأتي المسجد الحرام بحج أو عمرة وجب عليه ذلك باتفاق العلماء ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد ولم يجب عند أبي حنيفة لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»