معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان يأتيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من ذلك في بيتي. وكنت إذا دخلت عليه ببعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري. وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة (عليها السلام) ولا أحدا من بني. وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني. فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملأها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهما وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسبت آية من كتاب الله، ولا علما أملأ علي وكتبته منذ دعا لي بما دعا. وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، أو شيء كان أو يكون، ولا كتابا منزلا على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وحكما ونورا، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله بما دعوت لم أنس شيئا، ولم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان والجهل فيما بعد؟ فقال: لست أتخوف عليك النسيان والجهل " (1).
ولا يخفى على ذوي الحال ما في هذا الحديث الشريف من مجامع الكمال، ومن الدلالة على عدم الإقدام على العمل بظواهر الأحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله) ما لم يعلم حالها من كونها ناسخة أو منسوخة، مقيدة أم مطلقة، ظاهرة أم مؤولة، مكذوبة عليه (صلى الله عليه وآله) أم غير مكذوبة، إلى غير ذلك. بخلاف الأحاديث المروية عن الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، فإنها لا نسخ فيها، لكونها حاكية ومبينة وكاشفة عما أخبر به (صلى الله عليه وآله) من الأحكام الشرعية، والامور الإلهية، وقد أمروا - صلوات الله عليهم - بالأخذ بها، والتحديث فيها، والكتابة لها إلى غير ذلك.
وأما ما خالطها مما لا يوثق بوروده عنهم صلوات الله عليهم، فبالعلامات