لا أدركه، أبونا " علي " رضي الله عنه لا أفضلك فيه ولا تفضلني وأمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولو كان ملء الأرض نساء مثل أمي، ما وافين بأمك، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وتعال فترضني، وإياك أن أسبقك إلى هذا الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام).
فعلم الحسين أن أخاه الأصغر منه قدرا يذكره بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " (1) فسارع الحسين رضي الله عنه ولبس رداءه وذهب إلى أخيه الأصغر فترضاه.
ووقع مثل ذلك بينه وبين أخيه الأكبر الحسن - فلما مرت الأيام الثلاثة جاء الحسن إلى أخيه الحسين فسارع إليه وأقبل عليه وهو جالس فأكب عليه مقبلا رأسه ثم جلس بجانبه، فقال له الحسين: " إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني - لأنه أكبر منه - فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به مني ".
ولقد كان الحسين عابدا قانتا، لا يرى إلا صائما، ولا يعهد في الليل إلا قائما، سباقا إلى الخير، مسارعا في المعروف برا كريما وصولا لأهله - مغيثا لمن استعان به، متبتلا في طاعة ربه، يروي مصعب الزبيري عنه أنه حج ساعيا ملبيا خمسا وعشرين حجة ماشيا على الأقدام.
وكان صبورا عند الشدائد، جلدا إذا نزلت به المحن، لا يتسخط، ولا يبتئس ولا يجزع ولا يعجز، راضيا بما قدر الله مطمئنا إلى اختيار الله فيما ينزل به.
* (أخرجه: البخاري رقم (6077، 6237) في (الأدب) باب (الهجرة) فتح (10 / 492).
مسلم: رقم (2560) في (البر) باب (تحريم الهجر فوق ثلاث) والترمذي رقم (1933) في (البر) (كراهية الهجر للمسلم) وأبو داود رقم (4911) في (الأدب) باب (فيمن يهجر أخاه المسلم) (5 / 214). (*)