وأما أهل التحريف والتأويف فهم الذين يقولون أن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال ما هو الحق في نفس الأمر وأن الحق في نفس الامر هو ما علمناه بعقولنا ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون يجوز أن يراد كذا وغاية ما معهم امكان احتمال اللفظ وأما أهل التجهيل والتضليل الذين حقيقة قولهم ان الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء ويقولون يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه الا الله لا يعلمه جبرائيل ولا محمد ولا غيره من الأنبياء فضلا عن الصحابة والتابعين لهم باحسان وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ * (الرحمن على العرش استوى) * * (إليه يصعد الكلم الطيب) * * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * وهو لا يعرف معاني هذه الآيات بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه الا الله تعالى ويظنون أن هذه طريقة السلف ثم منهم من يقول إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم ولا يعرفه أحد كما لا يعلم وقت الساعة ومنهم من يقول بل تجري على ظاهرها وهؤلاء يشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلا ثم منهم من يقول لم يعلم معانيها أيضا ومنهم من يقول علمها ولم يبينها بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص فهم مشتركون في أن الرسول لم يعلم أو لم يعلم بل
(٥٩٦)