شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٥٩٠
وقد تقدم جواب هذه الشبه الخمس في مواضعها وعندهم أن التوحيد والعدل من الأصول العقلية التي لا يعلم صحة السمع إلا بعدها وإذا استدلوا على ذلك بأدلة سمعية فإنما يذكرونها للاعتضاد بها لا للاعتماد عليها فهم يقولون لا نثبت هذه بالسمع بل العلم بها متقدم على العلم بصحة النقل فمنهم من لا يذكرها في الأصول إذ لا فائدة فيها عندهم ومنهم من يذكرها ليبين موافقة السمع للعقل ولإيناس الناس بها لا للاعتماد عليها والقرآن والحديث فيه عندهم بمنزلة الشهود الزائدين على النصاب والمدد اللاحق بعسكر مستغن عنهم وبمنزلة من يتبع هواه واتفق أن الشرع ما يهواه كما قال عمر بن عبد العزيز لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه ويخالفه إذا خالف هواه فإذا أنت لا تثاب على ما وافقته من الحق وتعاقب على ما تركته منه لأنك إنما اتبعت هواك في الموضعين وكما أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى والعمل يتبع قصد صاحبه وإرادته فالاعتقاد القوي يتبع أيضا علم ذلك وتصديقه فإذا كان تابعا للإيمان كان من الإيمان كما أن العمل الصالح إذا كان عن نية صالحة كان صالحا وإلا فلا فقول أهل الإيمان التابع لغير الإيمان كعمل أهل الصلاح التابع لغير قصد أهل الصلاح وفي المعتزلة زنادقة كثيرة وفيهم من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا والجهمية هم المنتسبون إلى جهم بن صفوان السمرقندي وهو الذي أظهر نفي الصفات والتعطيل وهو أخذ ذلك عن الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط فإنه خطب الناس في يوم عيد الأضحى وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل
(٥٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 ... » »»