هارون الرشيد صنف لهم أبو الهذيل كتابين وبين مذهبهم وبنى مذهبهم على الأصول الخمسة التي سموها العدل والتوحيد وإنفاذ الوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولبسوا فيها الحق بالباطل إذ شأن البدع هذا اشتمالها على حق وباطل وهم مشبهة الأفعال لأنهم قاسوا أفعال الله تعالى على أفعال عباده وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه وقالوا يجب عليه أن يفعل كذا ولا يجوز له أن يفعل كذا بمقتضى ذلك القياس الفاسد فإن السيد من بني آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم من ذلك لعد إما مستحسنا للقبيح وإما عاجزا فكيف يصح قياس أفعاله سبحانه وتعالى على أفعال عباده والكلام على هذا المعنى مبسوط في موضعه فأما العدل فستروا تحته نفي القدر وقالوا إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جورا والله تعالى عادلا لا يجور ويلزم على هذا الأصل الفاسد أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده فيريد الشيء ولا يكون ولازمه وصفه بالعجز تعالى الله عن ذلك وأما التوحيد فستروا تحته القول بخلق القرآن إذ لو كان غير مخلوق لزم تعدد القدماء ويلزمهم على هذا القول الفاسد أن علمه وقدرته وسائر صفاته مخلوقة أو التناقض وأما الوعيد فقالوا إذا أوعد بعض عبيده وعيدا فلا يجوز أن لا يعذبهم ويخلف وعيده لأنه لا يخلف الميعاد فلا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يريد عندهم وأما المنزلة بين المنزلتين فعندهم أن من ارتكب كبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وأما الأمر بالمعروف فهو أنهم قالوا علينا أن نأمر غيرنا بما أمرنا به وأن نلزمه بما يلزمنا وذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضمنوه أنه يجوز الخروج على الأئمة بالقتال إذا جاروا
(٥٨٩)