هذا غاية ما قدرنا عليه فالعادل منهم لا يظلم الآخر ولا يعتدي عليه بقول ولا فعل مثل أن يدعي أن قول مقلده هو الصحيح بلا حجة يبديها ويذم من خالفه مع أنه معذور ثم إن أنواع الافتراق والاختلاف في الأصل قسمان اختلاف تنوع واختلاف تضاد واختلاف التنوع على وجوه منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم حتى زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال كلاكما محسن ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح ومحل سجود السهو والتشهد وصلاة الخوف وتكبيرات العيد ونحو ذلك مما قد شرع جميعه وإن كان بعض أنواعه أرجح أو أفضل ثم تجد لكثير من الأمة في ذلك الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها ونحو ذلك وهذا عين المحرم وكذا تجد كثيرا منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر والنهي عنه ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما يكون كل من القولين هو في المعنى القول الآخر لكن العبارتان مختلفتان كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصيغ الأدلة والتعبير عن المسميات ونحو ذلك ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى والاعتداء على قائلها ونحو ذلك وأما اختلاف التضاد فهو القولان المتنافيات إما في الأصول وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون المصيب واحد والخطب في هذا أشد لأن القولين يتنافيان لكن نجد كثيرا من هؤلاء قد يكون
(٥٨١)