وذهب قوم من المتفلسفة وغالية المتصوفة إلى أن الدعاء لا فائدة فيه قالوا لأن المشيئة الإلهية إن اقتضت وجود المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء وإن لم تقتضه فلا فائدة في الدعاء وقد يخص بعضهم بذلك خواص العارفين ويجعل الدعاء علة في مقام الخواص وهذا من غلطات بعض الشيوخ فكما أنه معلوم الفساد بالاضطرار من دين الاسلام فهو معلوم الفساد بالضرورة العقلية فإن منفعة الدعاء أمر أنشئت عليه تجارب الأمم حتى إن الفلاسفة تقول ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات هذا وهم مشركون وجواب الشبهة بمنع المقدمتين فإن قولهم عن المشيئة الإلهية إما أن تقتضيه أو لا فثم قسم ثالث وهو أن تقتضيه بشرط لا تقتضيه مع عدمه وقد يكون الدعاء من شرطه كما توجب الثواب مع العمل الصالح ولا توجبه مع عدمه وكما توجب الشبع والري عند الأكل والشرب ولا توجبه مع عدمهما وحصول الولد بالوطء والزرع بالبذر فإذا قدر وقوع المدعوا به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب والبذر وسائر الأسباب فقول هؤلاء كما أنه مخالف للشرع فهو مخالف للحس والفطرة ومما ينبغي أن يعلم ما قاله طائفة من العلماء وهو أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب الكلية قدح في الشرع ومعنى التوكل والرجاء يتألف من وجوب التوحيد والعقل والشرع
(٥٢٠)