شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٥٢١
وبيان ذلك أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد اليه وليس في المخلوقات ما يستحق هذا لأنه ليس بمستقل ولا بد له من شركاء وأضداد مع هذا كله فإن لم يسخره مسبب الأسباب لم يسخر وقولهم إن اقتضت المشيئة المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء قلنا بل قد تكون اليه حاجة من تحصيل مصلحة أخرى عاجلة وآجلة ودفع مضرة أخرى عاجلة وآجلة وكذلك قولهم وإن لم تقتضه فلا فائدة فيه قلنا بل فيه فوائد عظيمة من جلب منافع ودفع مضار كما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل ما يعجل للعبد من معرفته بربه وإقراره به وبأنه سميع قريب قدير عليم رحيم وإقراره بفقره اليه واضطراره اليه وما يتبع ذلك من العلوم العلية والأحوال الزكية التي هي من أعظم المطالب فإن قيل إذا كان إعطاء الله معللا بفعل العبد كما يعقل من إعطاء المسؤول للسائل كان السائل قد اثر في المسؤول حتى أعطاه قلنا الرب سبحانه هو الذي حرك العبد إلى دعائه فهذا الخير منه وتمامه عليه كما قال عمر رضي الله عنه إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء ولكن إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه وعلى هذا قوله تعالى * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) * فأخبر سبحانه أنه يبتدئ بتدبير الأمر ثم يصعد إليه الأمر الذي دبره فالله سبحانه هو الذي يقذف في قلب العبد حركة الدعاء ويجعلها سببا للخير الذي يعطيه إياه كما في العمل والثواب فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه فما أثر فيه شيء من المخلوقات بل هو جعل ما يفعله سببا لما يفعله قال مطرف بن عبد الله
(٥٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 ... » »»