* (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) * ومنه قوله تعالى * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * والبرية مشتقة من البرء بمعنى الخلق فثبت أن صالحي البشر خير الخلق قال الآخرون إنما صاروا خير البرية لكونهم آمنوا وعملوا الصالحات والملائكة في هذا الوصف أكمل فإنهم لا يسأمون ولا يفترون فلا يلزم أن يكونوا خيرا من الملائكة هذا على قراءة من قرأ البريئة بالهمز وعلى قراءة من قرأ بالياء إن قلنا إنها مخففة من الهمزة وإن قلنا إنها نسبة إلى البري وهو التراب كما قاله الفراء فيما نقله عنه الجوهري في الصحاح يكون المعني أنهم خير من خلق من التراب فلا عموم فيها إذ الغير من خلق من التراب قال الأولون إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ونالوا الزلفى وسكنوا الدرجات العلى وحباهم الرحمن بمزيد قربه وتجلى لهم ليستمتعوا بالنظر إلى وجهه الكريم وقال الآخرون الشأن في أنهم هل صاروا إلى حالة يفوقون فيها الملائكة أو يساوونهم فيها فإن كان قد ثبت لهم أنهم يصيرون إلى حال يفوقون فيها الملائكة سلم المدعى وإلا فلا ومما استدل به على تفضيل الملائكة على البشر قوله تعالى * (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) * وقد ثبت من طريق اللغة ان مثل هذا الكلام يدل على أن المعطوف أفضل من المعطوف عليه لأنه لا يجوز أن يقال لن يستنكف الوزير أن يكون خادما للملك ولا الشرطي أو الحارس وإنما يقال لن يستنكف الشرطي أن يكون خادما للملك ولا الوزير ففي مثل هذا التركيب يترقى من الأدنى إلى الأعلى فإذا ثبت تفضيلهم على عيسى
(٣٤٦)