شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٣٢٥
نفسه على كل شيء فإن لم يكن عاليا بنفسه على كل شيء كان علوه في القلوب غير مطابق كمن جعل ما ليس بأعلى أعلى وعلوه سبحانه وتعالى كما هو ثابت بالسمع ثابت بالعقل والفطرة أما ثبوته بالعقل فمن وجوه أحدها العلم البديهي القاطع بأن كل موجودين إما أن يكون أحدهما ساريا في الآخر قائما به كالصفات وإما أن يكون قائما بنفسه بائنا من الآخر الثاني انه لما خلق العالم فإما أن يكون خلقه في ذاته أو خارجا عن ذاته والأول باطل اما أولا فبالاتفاق وأما ثانيا فلأنه يلزم ان يكون محلا للخسائس والقاذورات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والثاني يقتضي كون العلم واقعا خارج ذاته فيكون منفصلا فتعينت المباينة لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه غير معقول الثالث أن كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه يقتضي نفي وجوده بالكلية لأنه غير معقول فيكون موجودا إما داخله وإما خارجه والأول باطل فتعين الثاني فلزمت المباينة وأما ثبوته بالفطرة فإن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى وذكر محمد بن طاهر المقدسي ان الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول كان الله ولا عرش وهو الان على ما كان فقال الشيخ أبو جعفر أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإن ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف ندفع بهذه
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»