شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٣٢٧
وأول من عرف عنه ذلك في الإسلام جهم بن صفوان وأتباعه واعترض على الدليل الفطري أن ذلك إنما لكون السماء قبلة للدعاء كما أن الكعبة قبلة للصلاة ثم هو منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه ليس في جهة الأرض وأجيب على هذا الاعتراض من وجوه أحدها أن قولكم إن السماء قبلة للدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ولا انزل الله به من سلطان وهذا من الأمور الشرعية الدينية فلا يجوز أن يخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها الثاني أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة فإن يستحب للداعي ان يستقبل القبلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة فمن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة أو أن له قبلتين إحداهما الكعبة والأخرى السماء فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين الثالث ان القبلة هي ما يستقبله العابد بوجهه كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء والذكر والذبح وكما يوجه المحتضر والمدفون ولذلك سميت وجهة والاستقبال خلاف الاستدبار فالاستقبال بالوجه والاستدبار بالدبر فأما ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى قبلة لا حقيقة ولا مجازا فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها وهذا لم يشرع والموضع الذي ترفع اليد اليه لا يسمى قبلة لا حقيقة ولا مجازا ولأن القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل السماء بوجهه بل نهوا عن ذلك ومعلوم أن التوجه بالقلب واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل وأكثر
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»