شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٣٠٢
والقائل الآخر * اقنع بما ترزق يا ذا الفتى * فليس ينسي ربنا نمله * إن أقبل الدهر فقم قائما * وان تولى مدبرا نم له * قوله وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه ش هذا بناء على ما تقدم من أن الله تعالى قد سبق علمه بالكائنات وانه قدر مقاديرها قبل خلقها كما قال صلى الله عليه وسلم قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء فيعلم أن الله قد علم أن الأشياء تصير موجودة لأوقاتها على ما اقتضته حكمته البالغة فكانت كما علم فإن حصول المخلوقات على ما فيها من غرائب الحكم لا يتصور إلا من عالم قد سبق علمه على ايجادها قال تعالى * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * وأنكر غلاة المعتزلة أن الله كان عالما في الأزل وقالوا إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلوا تعالى الله عما يقولون علو كبيرا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروا كفرا فإن الله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه فإنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة وقد علم الله ذلك منه ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يعذبه على ما لم يستطعه وإذا قيل فيلزم أن يكون العبد قادرا على تغيير علم الله لأن الله علم أنه لا يفعل فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم الله قيل هذه مغالطة وذلك أن مجرد قدرته على الفعل لا تستلزم تغيير العلم وإنما
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»